إليك حبيبة قلبي ♥ أنس ♥ عمر ♥
مواقف في الدعوة والتربية TJ500170
إليك حبيبة قلبي ♥ أنس ♥ عمر ♥
مواقف في الدعوة والتربية TJ500170
إليك حبيبة قلبي ♥ أنس ♥ عمر ♥
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

إليك حبيبة قلبي ♥ أنس ♥ عمر ♥

كل شيء هنا مخصص لك
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصوردخولالتسجيل

 

 مواقف في الدعوة والتربية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أسد الغفران
المدير العام
المدير العام
أسد الغفران


الجنس : ذكر
الأبراج : العذراء
عدد المشاركات : 903
التقيم : 211104
الشكر : 59701
تاريخ الميلاد : 01/09/1994
العمـــر : 29

مواقف في الدعوة والتربية Empty
مُساهمةموضوع: مواقف في الدعوة والتربية   مواقف في الدعوة والتربية Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 9:40 pm



مواقف
في الدعوة والتربية


الأستاذ عباس السيسي









بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة

[b]أيام من العمر 00 لا تنسى


نشأت مع باكورة الدعوة، فى سن مبكرة، فغذيت من رحيقها، وتدرجت فى خطواتها00 وعشت مع إمام الدعوة ومرشدها على القرب فترات قليلة من الزمن، ولكنها عميقة الأثر. فلقد كنت حريصاً على تركيز انتباهى، مشدودا إليه 00 عشت معه على البعد فى مشغلة نفسية بالدعوة والداعية، فتمكنت من أقطار نفسى وتغلغلت جذورها فى وجدانى ومشاعرى0
ذلك أن حسن البنا فى أخلاقه وتصرفاته وسلوكه كان دعوة.. ينجذب إليه الناس على اختلاف ثقافاتهم ونزعاتهم، حيث آمن رضى الله عنه- بالإسلام دعوة بالإنسان مادتها.. فاستنهض أحاسيسه كلها، لتعمل فى ميدان العقل والنفس والشعور.. فانبثقت فى الناس ينابيع للخير كثيرة كانت مجهولة وتفجرت طاقات للشباب كانت مبددة مقهورة. وأشعلها يقظة فى الوجدان والمشاعر، وصحوة فى القلب والوعى والشعور، فأدرك الإنسان بعد الغفلة والنسيان أنه شىء غير هذا البنيان، وأنه مذخور بكل ما تنشده الإنسانية من حق وخير وعدل، وأن الحياة إنما تقاس بعظمة المبدأ وشرف الغاية والنهاية فانطلق يسمو بنفسه وبالناس يبنى ولا يهدم يجمع ولا يفرق.. يحب: بالحب الذى تتناجى به القلوب، وتتساقط به الذنوب.. الحب الذى جمع بين المهاجرين والأنصار على أعظم ما سجله التاريخ من آيات المجد والفخار.. الحب الذى ألف بين قلوب الأمة، فذابت به الطبقية.. والعنصرية، وتلاشت معه الأحقاد، الحب الذى قيل عنه ((إذا عطس حسن البنا فى القاهرة يقول له الأخ فى أسوان: يرحمك الله)): حب فى الله، فلا إله إلا الله ولا زعيم إلا محمد رسول الله ولا دستور إلا القرآن 0
تلك العقيدة: هى جامعة القلوب ومؤلفة الأرواح، ومنفذة البشرية من الضلال، لا فضل فيها لأحد، ولا نسب فيها لإنسان إلا نسب هذه العقيدة (بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان) 0
عاش حسن البنا فى قلوبنا، كأخ وأب، يعود مريضنا، ويسأل عن غائبنا، ويعاون فى حل مشكلاتنا.. يؤلف بين قلوبنا برحلات تربط القريب بالبعيد، ويباعد بيننا وبين الخصومة، حتى لاتعوق سبيلنا إلى القلوب (فإذا الذى بينك وبينه عداوة، كأنه ولى حميم) 0
استحوذت شخصية البنا على نفوسنا وقلوبنا، لما وهبه الله تعالى من قدرة على الملاحظة المنتجة، التى لا تفلت من يده فيستغلها وينميها ويستفيد بها0
فالدقائق من حياته لا تمضى بغير حركة وعمل، وأحاسيسه وعواطفه مستمرة فى الانتاج.. حتى كانت محصلة حياته المباركة، التى لم تتجاوز الثلاثة والأربعين من السنين فوق التصور والخيال 0
لم يخرج حسن البنا على العالم بنظرية من اجتهاده، ولم يحاول أن يجرب لأمته على ضوء ما فى العالم من نظم ومبادئ براقة.. فقد آمن إيماناً عميقا لا شك معه بالإسلام دعوة وحركة ونظاما، وأنه التجربة الأخيرة فى الحياة الدنيا، والقول الفصل فى محكمة التاريخ 00
لهذا، فلن تجد فى طريق الدعوة الطويل بعد خمسين عاماً- تغييراً أو تبديلاً فى المبادئ والأهداف والمناهج برغم الزلازل والبراكين التى تتعرض لها الدعوة فى كل زمان ومكان، ذلك لأنها تستمد وجودها واستمرارها من نبع الإيمان الذى لا ينضب وعظمة وشمول الإسلام0
* هذا الكتاب 00 وطبعته الثانية
ولا يعتبر هذا الكتاب ترجمة لشخصية الإمام الشهيد حسن البنا بالمعنى الفنى الذى تعارف عليه كتاب التراجم، يستقصى جوانب تكوين هذه الشخصية النفسية والجهادية وآثارها العظيمة فى الحياة الإسلامية المعاصرة.. إنما هو مجرد رؤية لبعض مواقف هذا الرائد العظيم، عشتها وتذوقتها وتفاعلت معها، فكان لها آثارها العميقة على مجرى حياتى، حيث انخرطت بها فى قافلة الهداية والإنقاذ .. قافلة الإخوان المسلمين السائرة على طريق الإسلام الصحيح الذى سرت به بين الناس محققاً سر وجودى، ولله الفضل والمنة 0
لهذا وجدت أن من حق جيل الحركة الإسلامية الجديد أن أضع بين يديه ما رأيت وما وعيت من مواقف مرشد الحركة ومؤسسها، فالحركة الإسلامية وأجيالها أولى بأن تتلمس سبل الدعوة والتربية بالموقف لتبرز من خلاله أفكارها ومبادئها وترابطها بواقع الناس وقضاياهم ومشكلاتهم فى مختلف جوانب الحياة، كما أن جيل الحركة الإسلامية الجديد سيظل عاجزاً عن الإحساس بحقيقة انتمائه وارتباطه بجماعته إلا بعد تفاعله بمواقف مرشدهم الأول من كان معه واستيعابهم لها، وستظل أيضاً حركة هذا الجيل يعوزها النضج ما لم تستلهم تجارب الدعوة فى أطوارها السابقة 0
ولما كان موضوع هذا الكتاب فى شأنه كالكائن الحى يولد صغيراً ثم يأخذ فى النمو حتى يستوى على سوقه، فسيرى الأخ القارئ نمواً وزيادة فى مكونات هذه الطبعة وما تحتويه من مواقف، كما سيرى اختلافاً فى ترتيب المواقف عنه فى الطبعة الأولى اقتضاه التسلسل التاريخى للأحداث0
ولنفاذ الطبعة الأولى الصادرة فى ربيع ثان سنة 1398هـ مارس 1978 بمناسبة مرور خمسين عاماً على قيام أول تشكيلة للإخوان المسلمين رأت دار الدعوة للطبع والنشر بالاسكندرية إصدار طبعة ثانية لقرائها الكرام فقدمت لها الكتاب بعد إحداث هذا التطوير، الذى نرجو أن يجعل الله فيه خيرا ونفعاً 0
000 والله أكبر ولله الحمد ،،،

عباس السيسى


رشيد فى رمضان سنة 1401هـ


يوليو سنة 19881م




مدخل


بين يدى هذه المواقف


- الإنسان 00 تكوينه ومركزه ودوره فى الحياة 0

- موكب الرسل الكرام 00 هداية الله للبشرية الضالة 0
- خاتم النبيين 00 كمال الدين، وتمام النعمة 0
- المصلحون والمجددون 00 منارات على طريق خاتم النبيين 0
- حسن البنا 00 باعث النهضة الإسلامية فى العصر الحديث0
- أضواء على جوانب شخصية البنا ودعوتـــــه 0
- أضواء على جوانب فى منهاج البنا فى الدعوة والتريية0

بين يدى هذه المواقف

الإنسان
تكوينه ومركزه ودوره
إن الله سبحانه خالق هذا الكون ومالكه 00 خلق الإنسان وأودعه قوى العلم والفكر والادراك ((علم الإنسان ما لم يعلم))([1]) وفطره على معرفته ((فأقم وجهك للدين حنيفا، فطرة الله التى فطر الناس عليها))([2])، وسواه مميزا بين الحق والباطل والخير والشر ((وهديناه النجدين))([3]) ((ونفس وما سواها فألهما فجورها وتقواها))([4])، وأعطاه حرية الإرادة والاختيار ((وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر))([5])، ومنحه سلطة للتصرف فيما يعرض له من شئون كما يشاء.. خلق الله الإنسان بكل هذه الخصائص، ليهبطه إلى الأرض وهو يحمل معه بأمره سبحانه مفاتيح كل شىء فيها، ليكون أهلا لمعالجة شئونها ومزاولة مراسم الخلافة فيها، بأمر من الله واختيار حر منه 00 لذلك كله جاء خلق الإنسان لمهمة ورسالة (( أيحسب الإنسان أن يترك سدى))([6])0
وحينما عهد الله تعالى إلى الإنسان بمنصب الخلافة فى الأرض، وكرمه بهذا الاستخلاف أنبأه بأن حياته الدنيا تلك ليست هى كل ما له فى الكون من وجود، إنما هى طور من أطوار هذا الوجود له خصائصه التى تصله بما بعده، وهو الدار الآخرة، فهى أى الحياة الدنيا- بالنسبة للآخرة بمكان المقدمة من النتيجة 00 ولذا كانت الدنيا دار امتحان واختبار والآخرة دار حساب وجزاء ((إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعا بصيرا. إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا))([7])، ((وهو الذى جعلكم خلائف الأرض، ورفع بعضكم فوق بعض درجات، ليبلوكم فيما آتاكم، إن ربك سريع العقاب، وإنه لغفور رحيم))([8])0
وخلافة الإنسان فى الأرض ليست إلا بحكم ما اجتمع فى كيانه عن الله من العلم الذى يتضمن ركائز الحضارات من الحق والخير والعدل، ليجد به الخليفة منهج الخلافة شاخصا فى ضميره وما اجتمع له من خصائص الإيجابية بكل طاقاتها لفرض مناهجها فى ظاهرة الحياة 00 وبذلك كان الإنسان كائنا منفعلا بعوامل إلهية لتحقيق مقتضيات الخلافة فى الأرض. والمقام يقتضى أن يعلم الإنسان: أنه إذ يستمد مثله وقيمه ومادة معرفته وعبره من أفق الحق الأعلى، لكى يقرها فى الأرض سلوكا وأوضاعا ومعاملات وعرفاً صالحاً، إنما يهب لعالمنا الطبيعى هذا أمراً ليس من طبيعته، أو يدخل على أرضنا هذه لونا ليس من قبيل مادتها وعناصرها 00 فهو أى الإنسان- حامل ((روح)) من أفق إلى أفق00 وجالب ((حق)) من كون إلى كون وناقل ((رحيق)) عالم قدسى إلى عالم يراد له أن يتقدس كل ما فيه من أعمال العباد ومجتمعاتهم 00 وذلك لب عمل الإنسان فى الخلافة ومجمل إشارة إلى خطورة مقامه ومركزه، وهذه هى الأمانة الثقيلة التى حملها الإنسان.. أمانة عقيدة التوحيد والاستقامة عليها، وأمانة الشريعة والقيامة عليها فى نفسه وفى الأرض من حوله. وجوهر هذه الأمانة، هى طاعة الإنسان وخضوعه وانقياده لله بمطلق إرادته، وكمال إسلامه وعبوديته لله عن طواعيه واختيار0
استخلف الله تعالى الإنسان على الأرض بذلك الاستعداد الفطرى لمعرفته سبحانه ومعرفة جليل صنعه والإقرار بربوبيته وألوهيته.. هذا الاستعداد كان عهدا من الله تعالى لآدم.. عهد تكوين وفطرة.. وإذا كان هذا العهد قد بثت خصائصه وقواه ابتداء، فقد انتقلت إلينا نحن بنو آدم بطريق الوراثة تلك الخصائص والقوى، فكانت هى التأهيل الأزلى الذى أعلن عنه عهد الربوبية، إذ قال الله تعالى ((ألست بربكم ؟ قالوا : بلى ))([9]). وبهذا العهد كانت للإنسانية كافة آدم وبنيه صلاحيتها لتلقى وحى الله، وحمل ما فى كلامه ورسالته من أمر ونهى وحلال وحرام وعقيدة وشريعة.. ولهذا اجتمعت لهذا العهد مزايا العهد العام0
وما ينزل الله من عهد للناس، أى من شرع يأمرهم فيه وينهاهم، لا ينابذ أحكام هذه الفطرة بل يوافقها ويزكيها.. ولو خلا الإنسان إلى فطرته لاستقام على عهد الله واختار ما يتضمن من مثل عليا.. ولكن تلك الفطرة عورضت بما فى جانب الإنسان الحسى من قوى وميول، هى التى يسمونها الغرائز.. أو بعبارة أصح عورضت بقابلية هذه الغرائز للانحراف عن هداية الفطرة بما يزين لها الشيطان من غرور وأهداف لا حقيقة لها، فضلت وجحدت وتحولت من عهد الله إلى ما أراد لها الشيطان- من معصية 00 ولكن كيف وقعت المعصية؟ وكيف شرد الإنسان عن منهج الله وعهده له ؟
من طبيعة الشيطان أنه لا يأتى الإنسان من قبل صوابه الروحى، فهو أعجز من أن يواجه هذا النور، بل يأتيه من جانبه المطاوع جانب الغرائز والشهوات- وهو جانب يملك الاستجابة .. ولا يملك التمييز!! يملك الاستجابة لأى نداء، من الملك أو الشيطان.. من الله أو من غير الله!! فإن سول الشيطان لتلك الغرائز أمرا من الأمور، أو زين لها غاية من الغايات وهو لا يزين لها إلا ما تحبه لانت لسماعه، ومالت إلى اتباعه.. وكان لها من اللذة الحالمة، والإغراء المطمع، ما يجعل القلب يسحب الركون إليه، ويأنس لمطاوعته والمزيد منه، وينصرف بالتدريج عما لديه من أمر الله، حتى يغدو مشغولا بخواطر جديدة، وآمال غير التى كان يتعلق بها، وغايات غير التى كان يرسمها له إيمانه بالله.. وذلك هو النسيان القلبى !! ومن هنا سمى الإنسان إنسانا لكثرة نسيانه، قال إبن عباس: ((إنما سمى إنسانا لأنه عهد إليه نسى)).. نسى الإنسان إلهه وزال اهتمامه بأمره، فصرف الله عنه فضله ووكله إلى نفسه0

موكب الرسل الكرام


هداية الله للبشرية الضالة

وعندما غاب وعى الناس المركوز فى فطرة التدين وانسحب هذا الوعى إلى متع الحياة الدنيا وزخارفها، وزين الشيطان للقلب البشرى ذكرى المنافع الأرضية ولذائذها وغفل عن ذكر الله وانطمس فى الناس نور الفطرة بما خيم عليه من ظلال الشهوة والهوى، وطرأ على الإنسان ما أفسد فطرته ونظامها وناموسها الوحيد الذى لا تحمل سواه، وهو توحيد الخالق سبحانه، فسقطت فى المعصية والشرك بالله، واختلت موازين الأعمال والقيم. هنا تداركت عناية الله ورحمته الناس ولم يشأ أن يأخذهم بذنوبهم أو يتركهم فى الانحراف والتردى بعبادة غير الله والإشراك به، فقضى سبحانه رحمة منه بعباده وتقديرا لغلبة الشهوات على عقولهم وقلوبهم أن يرسل إليهم الرسل ((مبشرين ومنذرين))([10]) يذكرونهم ويبصرونهم، ويحاولون استنقاذ فطرهم وتحرير عقولهم من ركام الشهوات التى تحجب عنها دلائل الهدى وموحيات الإيمان فى الأنفس والآفاق ويأمرون بعبادة الله وحده واجتناب كل ما عداه من وثنية وهوى وشهوة وسلطان ((ولقد بعتثنا فى كل أمة رسولا : أن أعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت))([11])0





[1] سورة القلم : 5
[2] سورة الروم : 30
[3] سورة البلد : 10
[4] سورة الشمس : 7
[5] سورة الكهف : 29
[6] سورة القيامة : 36
[7] سورة الإنسان : 2،3
[8] سورة الأنعام : 165
[9] سورة الأعراف : 172
[10] سورة الأنعام : 48
[11] سورة النحل : 36
[/b]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://anas-omar.ahlamontada.com
أسد الغفران
المدير العام
المدير العام
أسد الغفران


الجنس : ذكر
الأبراج : العذراء
عدد المشاركات : 903
التقيم : 211104
الشكر : 59701
تاريخ الميلاد : 01/09/1994
العمـــر : 29

مواقف في الدعوة والتربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مواقف في الدعوة والتربية   مواقف في الدعوة والتربية Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 9:41 pm


[b]

[b]خاتم النبيين


كمال الدين وتمام النعمة



واستمرت هداية الله للناس ولم تنقطع، فتراءى موكب رسل الله الكرام على طريق البشرية الموصول رسالة واحدة، بهدى واحد للإنذار والتبشير.. موكب واحد يضم هذه الصفوة المختارة من البشر: نوع وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وداود وموسى.. وغيرهم ممن قصهم الله على نبيه صلى الله عليه وسلم فى القرآن، ومن لم يقصصهم عليه.. موكب من شتى الأقوام والأجناس، وشتى البقاع والأرضين. فى شتى الأزمان، لا يفرقهم نسب ولا جنس، ولا أرض ولا وطن، ولا زمن ولا بيئة، كلهم آت من ذلك المصدر الكريم، وكلهم يحمل ذلك النور الهادى، وكلهم يؤدى الإنذار والتبشير، كلهم يحاول أن يأخذ بزمام القافلة البشرية إلى النور.. سواء من جاء منهم لعشيرة، ومن جاء لقوم، ومن جاء لمدينة، ومن جاء لقطر.. ثم من جاء للناس أجمعين: محمد رسول الله صلى الله عليهم وسلم خاتم النبيين 0

أولئك الرسل، اقتضت عدالة الله ورحمته أن يبعث بهم إلى عباده- يبشرونهم بما أعده الله للمؤمنين الطائعين من نعيم ورضوان، وينذرونهم ما أعده الله للكافرين العصاة من جحيم وغضب.. كل ذلك: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل0

ولكننا إذا استعرضنا موكب الرسالات، وموكب الرسل، منذ فجر البشرية، ومنذ أول رسول آدم عليه السلام- إلى هذه الرسالة الأخيرة 00 رسالة النبى الأمى إلى الناس أجمعين.. فماذا نرى؟

نرى هذا الموكب المتطاول المتواصل. موكب الهدى والنور. ونرى معالم الطريق على طول الطريق. ولكننا نجد كل رسول قبل خاتم النبيين إنما أرسل لقومه. ونرى كل رسالة قبل الرسالة الأخيرة- إنما جاءت لمرحلة من الزمان.. رسالة خاصة، لمجموعة خاصة، فى بيئة خاصة.. ومن ثم كانت كل تلك الرسالات محكومة بظروفها هذه، متكيفة بهذه الظروف.. كلها تعو إلى إله واحد فهذا هو التوحيد وكلها تدعو إلى عبودية واحدة لهذا الإله الواحد فهذا هو الدين وكلها تدعو إلى التلقى عن هذا الإله الواحد والطاعة لهذا الإله الواحد فهذا هو الإسلام- ولكن لكل منها شريعة تناسب حالة الجماعة وحالة البيئة وحالة الزمان والظروف.. حتى إذا أراد الله أن يختم رسالاته إلى البشر، أرسل إلى الناس كافة، رسولا خاتم النبيين برسالة ((للإنسان)) لا لمجموعة من الأناسى فى بيئة خاصة، فى زمان خاص، فى ظروف خاصة 00 رسالة تخاطب ((الإنسان)) من وراء الظروف والبيئات والأزمنة، لأنها تخاطب فطرة الإنسان التىلا تتبدل ولا تتحور ولا بنالها التغيير ((فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، ذلك الدين القيم))([1]) .. وفصل فى هذه الرسالة شريعة تتناول حياة الإنسان من جميع أطرافها، وفى كل جوانب نشاطها، وتضع لها المبادئ الكلية والقواعد الأساسية فيما يتطور فيها ويتحور بتغير الزمان والمكان، وتضع لها الأحكام التفصيلية والقوانين الجزئية فيما لا يتطور ولا يتحور بتغير الزمان والمكان 00 وكذلك كانت هذه الشريعة بمبادئها الكلية وبأحكامها التفصيلية محتوية كل ما تحتاج إليه حياة ((الإنسان)) منذ تلك الرسالة إلى آخر الزمان، من ضوابط وتوجيهات وتشريعات وتنظيمات، لكى تستمر، وتنمو، وتتطور، وتتجدد حول هذا المحور وداخل هذا الإطار:



المصلحون والمجددون


منارات على طريق خاتم النبيين



وعندما أنزل الله تعالى يوم عرفة ((اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا))([2]) اتضحت بصورة نهائية للإنسانية جمعاء أنه لا انتظار بعد ذلك لرسالة أخرى أو كما وضحها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((مثلى ومثل النبيين من قبلى كمثل رجل بنى دار فأتمها إلا لبنة واحدة، فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة))([3])، ((إنه لا نبى بعدى ولا أمة بعدكم))([4])، فكان من الطبيعى لهذه الأمة كأن تواجه فى مسيرتها الطويلة مواقف عصيبة لا عهد للتاريخ بها، فابتليت فى دينها الإسلام- بمؤامرات وثورات ومقاومات داخلية وخارجية فكثيرا ما كان هذا الدين عرضة لتحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين، ودخلت فيه البدع والأفكار الأعجمية وتسرب إليه الشرك والجاهلية عن طريق التأثر بثقافات الأمم المفتوحة، وعن طريق التقليد والجهل.. ابتليت هذه الأمة بعصور وأجيال لم تعرفها أمة قبلها وأ، تواجه صراعا فى ميدان العقول والعلم والحضارة والاجتماع والتشريع لم تواجهها أمة فى التاريخ، ذلك أنها الأمة التى كتب لها أن تقود الإنسانية فى شوطها الأخير بهدى الرسالة الخاتمة، فأصبح من المحتم عليها أن تثبت جدارتها لهذه القيادة فى كل زمان ومكان، وفى أى ميدان ينشط فيه الإنسان، وقد استطاعت الأمة الإسلامية أن تنهض من كبواتها وتواجه العقبات بقوة، لعدة عوامل منها :

- الحيوية الكامنة فى طبيعة الرسالة الإسلامية ذاتها، التى تستطيع أن تواجه احتياجات الإنسان المتطورة دائما، بل وتنمى فيه طاقات فاعلة جديدة 0

- أن الله عز وجل قد تكفل بمنح الأمة الإسلامية رجالا أكفاء أقوياء، يرثون الأنبياء، فينقلون روح الرسالة إلى عصرهم باستنارة ووعى يعيدان شباب الأمة بحيث لا تكتهل ولا تهرم أبدا 0

وهاتان القوتان من لطف الله عز وجل للبشر جميعا، فلو فقدت الأمة قدرتها على استعادة قوتها وشبابها لفقدت الإنسانية الرشيدة ولضاعت أمانة السماء وأمانة الإنسانية ((إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون))([5])0

ومن يتتبع تاريخ المسلمين الطويل حتى الآن يجد أنه فى كل فترة ظلام وابتعاد عن روح الإسلام لابد أن يظهر أحد هؤلاء الدعاة إلى الله يتصدى لانحراف عصره بلا وجل ولا تردد من الباطل مهما اشتد بطشه. ذلك أن طبيعة الرسالة الإسلامية أنها تفرز من أتباعها كل عصر من هذه العصور الكريمة من ينفخ نيران الحماسة الدينية ليستثير العزائم التى انتابها الحور أمام سلطان الهوى والشهوة الذى ابتلى العامة والخاصة من البشر ((إنا جعلنا ما على الأرض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا))([6])0

لقد قام هؤلاء الدعاة إلى الله والمصلحون المجددون للذود عن حياض الإسلام والحفاظ على عزة المسلمين ولهذا توزعت جهودهم على جبهتين :

1- الجبهة الداخلية : لمحاربة الزندقة والبدع والإلحاد والميوعة التى طغت على حياة المسلمين 0

2- الجبهة الخارجية: لتوحيد صفوف المسلمين وشحذ هممهم لمحاربة الأعداء من الغزاة والمستعمرين0

واهتم كل مصلح بجبهة من هاتين الجبهتين أو بهما معا، ولكن بشكل متفاوت حسب الظروف العامة التى كانت تحيط بهم والطاقات والامكانيات التى تهيأت لهم والبلد الذى كانوا يعملون فيه 0

فقد عمل المصلحون وعلى رأسهم الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز والحسن البصرى والإمام أحمد بن حنبل فى زمن الدولتين الأموية والعباسية على تقويم الحكام، وتوحيد صف الأمة، والرد على الفرق الإسلامية المبتدعة ومحاربة الزندقة والأفكار الإلحادية والوثنية0

ولما سقطت بغداد بأيدى التتار كان هم المصلحين جمع شمل الأمة ورفع روحها المعنوية وشحذ هممها للجهاد فى سبيل الله والوقوف فى وجهة الاعتداءات الخارجية على ديار الإسلام 0

ولما انقسم العالم الإسلامى إلى دويلات وسيطر على المسلمين التصوف والانعزال، وظهرت الدعوات الصوفية المتطرفة، ونشأت الدعوات الباطنية والبدع والخرافات تصدى المصلحون وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية لهذا التيار الجارف محاولين الحد من قوته والقضاء عليه فى وقت كان المسلمون فيه بحاجة إلى توحيد جهودهم لرد العدوان الخارجى عن بلادهم0

ولما سقطت الخلافة العثمانية وتقطعت أوصال العالم الإسلامى. وبدأ الغزو العسكرى والفكرى الغربى يجتاح بلاد الإسلام فى العصر الحديث، كان على المصلحين- وعلى رأسهم الإمام الشهيد حسن البنا أن يعملوا فى عدة جبهات .. أن يعملوا على توحيد المسلمين، وأن يقاتلوا الغزاة بالسلاح، ويجاهدوا الغزو الفكرى والعقائدى بالحجة والبرهان، ويحاولوا القضاء على الحور والميوعة والبعد عن الإسلام الذى طرأ على نفوس المسلمين، حتى تعود للإسلام دولته، وترفرف على الأرض أعلام الحق والعدل والسلام0

حسن البنا


باعث النهضة الإسلامية فى القرن العشرين



برغم أن جميع المصلحين فى زماننا قد اتفقوا فى الهدف، فعملوا جاهدين لإرجاع هذه الأمة إلى الطريق المستقيم، وإلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهم اختلفوا فى الطريق الذى يوصل إلى هذا الهدف وفى الأساليب التى تتبع لتحقيقه. فالدارس لدعوة كل منهم يجد أنها انحصرت فى جزئية من جزئيات العمل الإسلامى فقد اهتم المتصوفون الصادقون بالتربية الروحية أكثر من اهتمامهم بالعمل الجماعى وبث روح الجهاد، واهتم دعاة السلفية بمحاربة البدع والخرافات، وسلك آخرون سبيل القلم واللسان فوفقوا فى جانب وتعثروا فى جوانب أخرى. لحذا أغفل هؤلاء المصلحون إيجاد طليعة مؤمنة وقاعدة شعبية إسلامية وتنظيم حركى لدعواتهم يضمن لها الاستمرار لتبلغ الغاية حتى ولو بعد مماتهم، وهكذا عاشوا جميعا قادة بلا جنود منظمين، فلما ماتوا عاش أتباعهم جنودا بلا قادة، وانتهت بموتهم دعواتهم وبقيت ذكريات فى سجل التاريخ0

أ أضواء على جوانب فى شخصية البنا ودعوته :

لقد سبق ((البنا)) الكثير من هؤلاء المصلحين.. ذلك أن الله تعالى قد أمده بصفات وطاقات وإمكانيات لم تتوفر لغيره من الدعاة فى عصرنا، فقد برزت شخصيته بمعالم جعلت منه ذلك الإنسان الذى يدين له جيل الحركة الإسلامية الحاضر بالبعث والريادة، فإذا أرنا أن نحدد بعض معالم هذه الشخصية نجد أن أول ما يطالعنا فيها من ميزات :

- الميزة الأولى : أنه إنسان منح دعوته كل نفسه، روحه وراحته، وقته وماله، بل كيانه كله.. لأن هذا هو المطلوب من العاملين للإسلام فى كل مكان وزمان، بل هو لسان حال النبيين ومن ساروا على درب الحق من بعدهم قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد فى سبيله فتربصوا حتى يأتى الله بأمره ))([7]) .. وهذا النمط من الناس وحده هو الذيى يستطيع أن يخلف أثرا فى الأرض، ذلك أنه استعلى على حطام الدنيا وارتفع عنه. أما الناس الآخرون فهم عبيد هذا الحطام وسدنته ومن ثم فإن أكبر ما يستطيعون فعله أن يغترفوا ما تجود به الأرض عليهم، ثم تحتويهم هم وما يكنزون. وحين نقول بأن حسن البنا رضى الله عنه- ارتفع عن الدنيا فليس معنى ذلك أنه ترفع عن عباد الله فيها، بل العكس، فهو الأب الحانى والأخ الوفى والطبيب الذى يدرك أن قومه والبشرية جمعاء بحاجة إليه، لأنه إنما حمل عبء الدعوة إلى الله عندما تخلى عنها الناس جميعاً وواجب الطبيب أن يلازم مرضاه وأن يتابعهم فى العلاج وإن هم كرهوه لما يحمل أو تنكروا له فى بعض من مراحل الطريق 000 فهذا ليس بدعا فى أخلاق الناس فى كل زمان ومكان0

- أما الميزة الثانية التى تطالعنا فى شخصية الإمام البنا، فهى أنه كان رجلاً فى أمة، أثار فيها معانى الإيمان بعد ركود طويل. ولئن اكتفى بعض مصلحى هذا الزمان بأن عالج مرضا من أمراض المجتمع الإسلاممى المتخلف ووقف عنده لا يتخطاه، أو أنه كان إصلاحياً عايش الواقع المتهرئ. فقد نظر إلينا إلى الإسلام كنظام شامل للحياة وأخذ به كوحدة متكاملة وعمل له ككل لا يتجزأ عقيدة وعبادة، سلوكا وتشريعا، سياسة وجهادا فى سبيل الله. ولذا فقد قيض الله له أن يخلف حركة كبيرة انطلقت من مصر أصداءها فى جميع أنحاء العالمين العربى والإسلامى. والفكر الإسلامى مدين إلى حركة البنا كمجدد وباعث نهضة فكرية ما زال الكاتبون يعيشون على فتاتها إلى اليوم0

خلاصة الأمر أن البنا كان شخصية جامعة، قامت على أسس عقائدية وفكرية وحركية تنسجم مع هذه النظرة الشاملة للإسلام، وبذا بدت دعوته رضى الله عنه متميزة بخصائصها ومميزاتها وأساليبها عن غيرها من دعوات هذا القرن0

- وثالث هذه الميزات هو ما يطالعنا فى شخصية هذا الإمام العظيم، أنه رضى الله عنه- كان فى مستوى الأحداث عرضت له خلال مراحل عمله فى الحركة الإسلامية تخطيطا وتنفيذا، فقامت دعوته على الأسس التنظيمية السليمة التى تأخذ بالأسلوب العلمى والتخطيط المرحلى للعمل الإسلامى، فقد دعا للإسلام كما نزل على قلب محمد عليه الصلاة والسلام وكما فهمه الصحابة رضوان الله عليهم، وأوجد لهذه الدعوة الطليعة المؤمنة، لتكون القاعدة التى يقوم عليها صرح الدعوة، كما أوجد لها هيكلا تنظيميا وآخر إدارياً هرميا ليضمن الضبط والربط بين القمة والقاعدة والتجاوب والتفاهم بين القاعدة والقمة ([8]) 0

ولئن تطلع بعض الناس هذه الأيام إلى ما فعله البنا وإلى أسلوبه فى العمل مشيرين بأصبع النقد، فليخفضوا تلك الإصبع وليضعوها على موطن الداء فى تكوينهم هم، فإذا كان الرجل قد استطاع بناء حركة فواجب أهل الاختصاص والتخطيط بعده أن يستمروا فى إتمام ذلك البناء الضخم الذى شاده، فلئن كانت الأحداث قد امتدت إلى هامم البنا فأردته شهيدا على طريق الدعوة قبل أن يتم ما نذر نفسه له، فليس معنى ذلك قصور فى الأسلوب والمنهج ولا خطأ فى التخطيط، والواجب يقضى بأن يكون الإسلاميون هذه الأيام فى مستوى أحداث العصر وإمكاناته، ليستطيعوا أن يحققوا ما حقق البنا أو بعض ما حققه 0

فمما لا شك فيه أن لسان الحال أوقع من لسان المقال .. وأن نظرية فكرية أو موعظة توجيهية لا تتعدى لسان المتكلم وأذن السامع0

ومما لا شك فيه كذلك أن الصراعات فى العالم إنما تعتمد على المهارات العملية وتسجيل المواقف فى سبيل ترويج وطرح شعاراتها ونظرياتها التجريدية وليس العكس 0

ومما لا شك فيه أن الدعوة بالموقف من شأنها أن تكسب المبادئ والأفكار صفة الحياة .. كما أن من شأنها أن تمنح الحركة القدرة على التأثير فى الأحداث والناس 00 كل ذلك مما يضفى عليها صفة الواقعية 0

والحركة الإسلامية أولى الحركات بأن تتلمس سبل الدعوة بالموقف تترجم من خلال أفكارها ومبادئها وتربطها بواقع الناس وقضاياهم ومشكلاتهم على كل صعيد. وهى إن فعلت ذلك تكون منسجمة مع الخط الإسلامى الذى خطه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والتزمه الرعيل الأول من المسلمين رضى الله عنهم، الذين لم يدخلوا التاريخ إلا بما سجلوه من مواقف 0

فالفرق بين الدعوة بالنظرية والدعوة بالمواقف كالفرق بين من يجاهد ومن يتحدث عن الجهاد، وكالفرق بين من يصبر ومن يتحدث عن الصبر، وبين من يضحى ومن يتحدث عن التضحية 000 إلخ 0

وعندما اعتمد البنا هذا الأسلوب فى الدعوة للإسلام، وألزم جماعته به 00 كان رضى الله عنه- فى شخصه ترجمة حية للمبادئ التى حملها بمواقفه على صعيد القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، كما استطاعت جماعة الإخوان المسلمين أن تأخذ زمام المبادرة بالمواقف التى اتصلت بقضايا الأمة المصيرية من خلال نظرية الإمام ومبادئه، وكانت الساحة لها بدون منازع، ولم تجد كبير عناء فى استقطاب الجماهير المسلمة، لأنها أى هذه الجماهير- لم تكن ولتواكب المسيرات 00 مسيرات الأدعياء، فقد تبنت قضايا الأمة باللسان السنان 00 بالجهاد البيا 0

إن قضايا تحقيق العدالة ورفع الظلم ومجاهدة أعداء الله وتحرير الإنسان مما يستعبده ليكون عبدا لله وحده.. إن مواقف التحدى للطغاة والظالمين فى الداخل-، وللصهيونية والاستعمار فى الخارج.. وإن الجهاد على كل الجبهات وبكل الوسائل إنما يقع كله فى صميم ما دعا إليه الإسلام.. وجاء لتحقيقه وإنفاذه.. فالإسلام ثورة على فساد الفكر كما هو ثورة على فساد الحكم 00 والإسلام ثورة على الانحراف الأخلاقى كما هو ثورة على الظلم الاجتماعى وعلى الاحتكار وأكل أموال الناس بالباطل0

وكما عنى الإسلام بزيادة الأمة فى مجالات التوعية والتربية فقد عنى كذلك بقيادتها فى ساحات الكفاح والنضال 0

والحركة الإسلامية فى العصر الحديث بقيادة البنا، التى كان لها قصب السبق فى ميادين الجهاد والتى غيبتها المحنة الضاربة عن أحداث الناس وقضايا الأمة، مدعوة اليوم لتأخذ موقعها فى خط المواجهة الأول لكل قضية، وموضوع (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين)([9])0







[2] سورة الروم : 30


[3] رواه الإمام أحمد فى مسنده


[4] رواه البخارى فى كتاب المغازى


[5] سورة الحجر : 9


[6] سورة الكهف : 7


[7] سورة التوبة : 24


[8] انظر : النظام الأساسى واللائحة الداخلية للإخوان المسلمين (من منشورات دار الأنصار القاهرة )


[9] سورة العنكبوت : 69

[/b]

[/b]

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://anas-omar.ahlamontada.com
أسد الغفران
المدير العام
المدير العام
أسد الغفران


الجنس : ذكر
الأبراج : العذراء
عدد المشاركات : 903
التقيم : 211104
الشكر : 59701
تاريخ الميلاد : 01/09/1994
العمـــر : 29

مواقف في الدعوة والتربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مواقف في الدعوة والتربية   مواقف في الدعوة والتربية Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 9:43 pm



ب – أضواء على جوانب فى منهج البنا فى الدعوة والتربية

أدرك البنا أبعاد انهزام المسلمين الروحى والحضارى، وفهم سر ابتعادهم عن الإسلام. فدعاهم إلى تطبيق الإسلام خلاصا من انهزامهم وحلا لأزمتهم. وحمل من أجاب صوته على ذلك التطبيق.. حملهم على أسلوب فى التربية متطابق مع منهج الإسلام، متواز فى أسلوبه مع أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم. فأولى الإنسان عنايته الكبرى، ورباه واعيا عناصره من روح وفكر وجسد، موازنا بين هذه العناصر، مبتكرا فى وسائل التربية بما يحقق الغرض ويتناسب مع أوضاع القرن العشرين0

لذلك جاءت تربية البنا محققة للأهداف التى وضعها فى بناء جماعته، التى تتركز فى تحقيق التفاعل بين روح الإسلام وبين أفراد الجماعة بحيث يتحقق من هذا لتفاعل تجريدهم من ذواتهم.. تجريدهم من القيم الأرضية كلها، والوشائج المادية كلها.. تجريدهم من الاعتزاز بكل ما يعتز به من حطام وأهواء 00 ليعتزوا بالحق وحده .. الحق مجردا من أشخاصهم00 الحق متلبسا بذواتهم ولكنه متميزاً واضحا، بحيث تتبع ذواتهم الحق، ولا تتبع أهواءهم ومشاعرهم الشخصية.. وذلك بأن يتجردوا لله.. يتجردوتا له تجردا خالصا 0

ما أحلى وأصدق قوله رضى الله عنه فى وصف ذلك النموذج الذى عمل على إيجاده وتكوينه: ((أستطيع أن أتصور المجاهد شخصا قد أعد عدته وأخذ أهبته وملك عليه الفكر فيما هو فيه نواحى نفسه وجوانبن قلبه، فهو دائم التفكير، عظيم الاهتمام، على قدم الاستعداد أبدا، إن دعى أجاب، أو نودى لبى. غدوه ورواحه، وحديثه وكلامه وجده ولعبه، لا يتعدى الميدان الذى أعد نفسه له، ولا يتناول سوى المهمة التى وقف عليها حياته وإرادته، يجاهد فى سبيلها، تقرأ فى قسمات وجهه وترى فى بريق عينيه، وتسمع من فلتات لسانه ما يدلك على ما يضطرم فى قلبه من جوى لاصق وألم دفين، وما تفيض به نفسه من عزمة صادقة وهمة عالية وغاية بعيدة)) 0

هذا النموذج الذى حدد البنا خصائصه وملامحه، لم يتركه دون توفير كل متطلبات العملية التربوية التى تكفل تكوينه وهى المتطلبات التى أدرك البنا أنها شرط من شروط تحقيق ولادة الفرد المسلم الذى يمثل العامود الفقرى فى العمل الإسلامى برمته، فإذا طالعنا رسالة ((رسالة التعاليم)) نجد أن خطته التى ترسم فيها خطى الداعى الأول صلى الله عليه وسلم تدور حول متطلبات ثلاثة :

أولاً : المنهج الصحيح: وقد وجده الإخوان المسلمون فى كتاب الله وسنة رسوله وأحكام الإسلام حين فهمها المسلمون على وجهها غضة نقية بعيدة عن الدخائل والمفتريات، فعكفوا على دراسة الإسلام على هذا الأساس دراسة سهلة واسعة مستوعبة0

بهذا المنهج وتطبيقاته فى سيرة النبى الكريم وأصحابه أخذ الإخوان أنفسهم بتطبيق ما فهموه من دين الله تطبيقاً لا هوادة فيه 0

ولو استعرضنا هذا المنهج التربوى الذى ألزم به البنا الإخوان، والذى وضحه فى رسالته تلك وفى توجيهاته وتعليماته، لوجدنا أنه استوعب كل مكونات الإنسان من روح وفكر وجسد، الأمر الذى يؤكد لنا دقة معالجة هذا المربى الكبير للنفس الإنسانية 0

- ففى مجال تزكية النفس : ألزم الإخوان بالورد اليومى من القرآن، وذكر الآخرة، ونوافل العبادة، وصيام يوم فى الأسبوع أو كل أسبوعين، والذكر اللسانى والقلبى، وأداء الصلاة فى أوقاتها جماعة بالمسجد، واستصحاب نية الجهاد، وتجديد التوبة 000 إلخ 0

لقد ألزم الإمام البنا أفراد جماعته بهذه الواجبات مستهدفاً :

1- إحياء حقيقة الإيمان بالله، على أنه طمأنينة يقينية تحل بالقلب ومنطق روحى حى يوجه العقل، ومن شأن هذه الطمأنينة أن يكون الله فى حياة صاحبها هو كل شىء، فهو وحده الكبير المتعال، وهو القوى الذى له جنود السموات والأرض، وهو الغنى وما عنده خير وأبقى.. قسم الأرزاق وحدد الآحال. فمن آمن بذلك سرى فى يقينه التصديق به صرف رجاءه فى كل حال وأنزل بساحته حاجته، ووجد أثره فى قلبه: غنى بغير مال وأنساً بغير أهل وعزاً بغير عشيرة، وذلك من أكرم ثمار الإيمان0

2- إحياء حقيقة الإيمان باليوم الآخر، وذلك بأن يضع الأخ المسلم بين عينيه أن الآخرة ويوم الحساب آت لا ريب فيه، وأنه فى هذه الدنيا إنما يصنع بيديه ما يكون عليه فى الآخرة. وعليه أن يجعل دنياه على وفق ما يريد لنفسه فى الآخرة من مثوبة الله وعظيم رضوانه، وأن يتحرى موقع كل عمل من آخرته قبل أن يعمله 0

3- رعاية كل ما أنزل الله من أمر ونهى حق رعايته، فى غير غلو يجاوز ما أرد الله من اليسر ولا ترخص يفسد همة المرء من تعظيم حرمات الله0

- وفى مجال رعاية الفكر والعقل: استهدف منهج البنا تزويد عقل المسلم بأصح الحقائق وأقوم المعانى وأصدق المعارف، فإن العقل بذلك ينضج وتزداد طاقات إدراكه وتتسع آفاقه ويسمو مستواه 0

ومن أجل ذلك كانت البداية فى تكوين عقلية الأخ المسلم هو القرآن الكريم وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهما أساس هذه المعارف والحقائق ومحك صدقها 00

وهناك أيضاً واجب دراسة رسالة فى أصول العقائد على منهج السلف وكتاب فى السيرة النبوية ورسالة فى فروع الفقه، وكل ما يتعلق بفقه الدعوة كما تحدده رسائل الإخوان وصحفهم، وأصول الإسلام كنظام اجتماعى والتاريخ الإسلامى 00 تاريخ المعارك والسياسة ونشاط العقل ومجاهدة النفس وإرشاد الخلق هو التطبيق العملى لما فهم سلفنا الصالح من أحكام الإسلام الحنيف0

وكذلك على الأخ المسلم أن يثقف نفسه بمعارف العصر فى الاجتماع، والاقتصاد والصحة وكل ما يضطرب فيه الناس سياسياً واجتماعياً وخلقيا من غى ورشد وفضيلة وانحراف واستقامة بحيث يعود نفسه أن يحكم على ما يرى ويسمع ويقرأ حكماً يستهدف مقاييس الإسلام 0

لذلك كان الإمام البنا ينصح الأخ المسلم بضرورة تكوين مكتبة خاصة، فإن وجود الحد الأدنى من الكتب التى تعين على تحقيق أهداف تثقيف المسلم ضرورة كضرورة المأكل والملبس0

- وفى مجال تكوين القوة الجسدية: ألزم الإخوان بالكشف الصحى الدورى، والحرص على القيام ببعض التمارين الرياضية، والقيام بالرحلات الجبلية أو الصحراوية أو الحقلية أو القروية أو النهرية للتجديف، والابتعاد عن الإسراف فى شرب القهوة والشاى، والامتناع عن التدخين، والعناية بالنظافة، وتجنب الخمر والميسر والمفتر000 إلخ0

لم يكتف البنا بمعالجة عناصر الشخصية الإنسانية من نفس وعقل وجسم عند الإخوان المسلمين، بل عمق تطبيقهم للإسلام بأن قدم طرقا عملية لتأدية الفرائض، وكان ارتقاء الأخ المسلم فى صفوف الجماعة مرهونا بتنفيذه هذه الفرائض 00 فرائض الحج والزكاة0

ثانياً : القدوة الصالحة: أدرك البنا خطورة هذا العنصر فى العملية التربوية. فكان فى شخصه مثلا لهذه القدوة الصالحة، وأخذ عزائم الإخوان وهممهم بالمنهج الذى رسمه لهم فى رسالة ((نظام الأسر ورسالة التعاليم)) فأصبحوا أمثلة تحتذى وتتبع وتقلد، فى الحماس والتضحية، والعيش للدعوة والبدعوة وعلموا أن براعتهم لا تكون فى ترديد نظريات التربية والتنظيم والتخطيط 0

ولكن بترجمة ذلك إلى وقائع محسوسة تسهم فى الدفع المباشر والتطوير الفعلى لأجهزة الحركة0

كما علم الأخ المسلم أنه فى انطلاقه لحمل الناس على أن يقتدوا به محتاج إلى أن يحوز : دمعة المتهجد، وشجاعة المقاتل، وانتباه الفقيه 0

ذلك كله بفضل يقظة الضمير وحساسيته الذى أحدثه البنا فى نفوس الإخوان، فجاء عملهم مع الناس متوخيا الحرص على رابطة القلوب واجتماع الكلمة بين المسلمين، فكل من قال لا إله إلا الله يلتقى معهم فى ظل التوحيد وتجمعه وإياهم كلمة الإسلام وتعصم دمه وماله وعرضه حرمة الإخوة فى الله. وأحسنوا الظن بكل مخالف اجتمعوا معه على الأصول فاتبعوه إن بدافى قوله الحق أو انصرفوا عنه إن جانبه الصواب وهم يلتمسون له العذر. ولم يكن شىء أبغض إلى نفوسهم من الجدال والمكابرة فما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل0

هذه الأخلاق التى طبع البنا رجاله وأودعها روح أنصاره دعوة بالكلام وقدوة بالسلوك، هى التى جعلت الإخوان أبدا بمنأى عن إثارة المسائل الخلافية فى محاضراتهم وأحاديثهم ومواقفهم، فكان شباب الإخوان بحمد الله يفيضون بشعور الأخوة نحو كل مسلم، وإن معالم التعصب للمذهب إن ظهرت فى كل ناد اختفت تماما من نوادى الإخوان، فالناشئ منهم فى أحضان التصوف يعانق الآخذ برأى السلف إذا أقبل عليه، والعالم التحرير من رجالهم يصلى وراء الشاب الجامعى، وحامل اللحية والعذبة لا يجد حرجا فى أن يأتم بعارى الرأس متى سبقه إلى اصلاة، وهم جميعا فى إحساس بعضهم نحو بعض كالحلقة المفرغة لا تدرى أين طرفاها0

ثالثاً : البيئة الصالحة: كما أدرك البنا أهمية هذا العنصر فى نجاح عمليته التربوية، فعمل على تهيئة المناخات والأجواء المناسبة لتكوين وتربية عناصره فدفع بجماعته إلى تهيئة الجو الإسلامى لأفرادها، حتى تتكون منهم الطليعة المؤمنة التى تأخذ على عاتقها إعلاء كلمة الله. وذلك بما أتيح لهم من محيط نظام الأسر والكتائب والمعسكرات، وفى نطاق مجالات العمل والنشاط فى المساجد والمدارس والخدمات الصحية، والشركات، والبر والخدمات الاجتماعية.. وتجاوزت المناخات التى تهيأت للتربية الإخوانية هذه المجالات إلى ساحة القتال فى فلسطين والقناة، امتحانا لهذه النفوس وتطهيرا لها، وتنظيفا لقلوبها، لكى تنال فى هذه الساحة حصيلة ضخمة من العبرة والتربية، والوعىة والنضج، والتمحيص والتميز، والتنسيق والتنظيم، لترتفع إلى مستوى الدور المقدم لها ((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة، ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين؟!))([1]) .. إنما هى التجربة الواقعية، والامتحان العملى، وإنما هو الجهاد وملاقاة البلاء، ثم الصبر على تكاليف الجهاد وعلى معاناة البلاء0

هذه هى التربية التى اعتمدها ((البنا)) فى تكوين صفوف جماعته، ليعدهام بهذه التربية للدور العظيم الهائل الشاق، الذى ناطه الله بالجماعة المؤمنة فى هذه الأرض، وقد شاء الله سبحانه أن يجعل هذا الدور من نصيب ((الإنسان)) الذى استخلفه فى هذا الملك العريض!

· وبعد :

لقد وقفنا أمام شخصية البنا الفذة، وكأننا نتطلع إليها من أسفل، فكان رضى الله عنه- قمة، والعاملون فى الحقل الإسلامى هذه الأيام ناس ألفوا العيش فى السفح، فاستهونوا مساربه وسبله، وأعجبوا برضى العيش ورضى النعمة السابغة فأخلدوا إلى الأرض، يتمسكون بها ويغترفون منها فى بطونهم ما شاءت لهم الأرض من عطاء، وما ملا جوف ابن آدم إلا التراب 0

فلئن كان جيل البنا لم ينصفه فإن التاريخ سيسجل له المكان اللائق، فضلا عن أن الرجل ما كان يعمل ليسجل له التاريخ أو الأجيال، وإنما كان يعمل فى سبيل الله ولإعلاء كلمته 0


وضوح الطريق


حين تقدم حسن البنا إلى لجنة الامتحان الشفوى فى مدرسة دار العلوم، ولما جلس أمام اللجنة سأله الممتحن :



- ماذا تحفظ من الشعر القديم ؟

- فأجاب : أحفظ المعلقات السبع 0

- قال : أسمعنى معلقة طرفة بن العبد0

فأخذ البنا يقرأها فى فصاحة وثبات، ولما تأكد الأستاذ الممتحن من جودة حفظه قال له : على رسلك. أريدك أن تختار بيتا أعجبك من هذه القصيدة، فأطرق حسن البنا هنيهة ثم قال :

إذا القوم قالوا من فتى خلت أننى
عنيت فلم أقعد ولم أتبلد



فلما كان من الأستاذ الممتحن إلا أن رفع عمامته من فوق رأسه وهو يردد فالتفت إليه الممتحن الآخر وقال له : ماذا جرى يا مولانا ؟

فأجابه بأن هذا الفتى سوف يكون له شأن كبير، وأسمعه هذا البيت فشاركه إعجابه وتفاؤله 0

وجاءت الأيام لتكشف عن فراسة هذا الشيخ وتصدق حدسه فى البنا، فيصبح بالفعل أمل أمته الحيرى ومرشدها إلى منهاج الإسلام الصحيح 0

لقد كان البنا هو ذلك الفتى الذى أحس منذ صباه بالفراغ الذى يعانى منه المسلمون فى ذلك الوقت، وهو عدم وجود قيادة إسلامية وطليعة مؤمنة ترد الناس إلى الإسلام وتبصرهم بالطريق وتكتل جهودهم للوقوف فى وجه الاستعمار الغربى العسكرى منه والفكرى0

أدرك البنا أن الجهل بالإسلام، وعدم إدراك حقيقة هذا الدين، وتلوث المحيط الاجتماعى فكريا وأخلاقيا هو الذى انتهى بأمته إلى الضياع والشرود. والسبب فى كل ذلك إنما يعود إلى ضعف التوجيه الدينى السليم فى حياة المسلمين وإلى خضوعهم إلى توجيهات منحرفة، بل ومتناقضة مع تعاليم الإسلام، ومبادئه 0

ففى نطاق السياسة يحكم المسلمون بغير ما أنزل الله من القوانين الوضعية التى ظهر فشلها فى أكثر من موطن وميدان. فلم يكن فى الساحة السياسية إلا أحزاب وزعماء لا يعرفون إلا أوربا وحضارتها. وقد نسوا مجدهم وتاريخهم، فأوربا قبلتهم فى كل شىء بنظمها وأخلاقها وعاداتها وأعيادها وأوضاعها الاجتماعية والسياسية، وهم فى بيوتهم وحياتهم الخاصة لا يعرفون شيئا من الإسلام ولا آدابه وتقاليده، فسلوكهم العام والخاص لا ينتسب إلى الإسلام بأدنى صلة 0

وفى نطاق التربية والتعليم تعبث فى عقول المسلمين المناهج والنظريات الفاسدة المخربة التى جاء بها المستعمر الأوربى إلى بلادنا. ولم يكتف المستعمر بوضع المناهج التى أنشأ المدارس والمعاهد العلمية والثقافية فى عقر ديار الإسلام تقذف فى نفوس أبنائه الشك والإلحاد وتعلمهم كيف ينتقصون أنفسهم ويحتقرون دينهم ووطنهم وينسلخون من تقالديهم وعقائدهم ويقدسون كل ما هو غربى، ويؤمنون بأن ما يصدر عن الأوربيين وحده هو المثل الأعلى فى هذه الحياة,. واحتوت هذه المدارس أبناء الطبقة العليا وصارت وقفا عليها. وأبناء هذه الطبقة هم القادة والحكام ومن سيكون بيدهم بعد قليل مقاليد الأمور. ومن لم يتم نضجه فى هذه المعاهد الوضعية فإن فى البعثات المتلاحقة ما يكفل لهم التمام0

وفى نطاق الدعوة والإرشاد لم يكن بالساحة غير الأزهر والطرق الصوفية

- الأزهر : الذى ظل حتى وقت قريب مثلا للسلطة الإسلامية الواعية القادرة على احتواء الشعب وتوجيهه ودرء كل سوء عنه .. السلطة التى كان من واجبها النهوض بالأمة فكريا وأخلاقيا، ماديا ومعنويا، اجتماعيا وسياسيا السلطة التى كانت تقف بالأمة فى مواجهة التحدى كل تحد على أحسن ما يكون الوقوف وعيا وحكمة وجرأة، هذه السلطة تخلى عنها رجالها بعد أن نسوا رسالتهم وسار كثير منهم فى ركاب الحكام، ووضعت السياسة أصابعها فى شئونهم ففقدوا فاعليتهم وأثرهم على النفوس0

- والطرق الصوفية: ملأت قلوب وأدمغة الناس من أتباعهم بالخرافات والأوهام، وصرفتهم عن جوهر التعاليم الإسلامية الصحيحة، ومقاصدها العزيزة الكريمة، وعزلوهم عن الروح الحقيقية للإسلام التى تخلق الرجال.. عزلوهم عن هذه المعانى ونشأوهم على الجهل والخمول والاستسلام، الأمر الذى مكن لأصحاب النفوذ والسلطان من استغلالهم وتسخيرهم فى أغراضهم ومطامعهم0

فكان طبيعيا والحالة هذه أن يتفسخ المسلمون شعباً وزعامات.. تعتصرهم الخلافات، وتفسد أخلاقهم ومعتقداتهم الرذائل والموبقات.. بل كان بديهيا بعد ذلك أن تنشأ فى هذه الأمة أجيال مقطوعة الصلة بالإسلام. وإن أسوأ أما فى الأمر أن المشكلة كانت آخذة فى التعقد يوما بعد يوم، لأن معاول الهدم فى تزايد، والقوى الإسلامية الشعبية ممزقة ضائعة 0

إن هذا الوضع الخطير الذى آلت إليه أحوال المسلمين فى هذا البلد هو الذى حفز البنا بما حباه الله من غيرة وحس مرهف ووضوح فى الرؤية إلى المبادرة إلى تعبئة قوى أمته وحشد طاقاتها فى مسيرة واحدة.. مسية واعية هادفة بناءة يكون من مهماتها تحقيق الأهداف الآتية :

أولاً : إعادة ثقة الأمة بدينها على أنه المنهج المؤهل لبناء حياتهم على أحسن ما يكون البناء تماسكا واستقرارا.. على أنه العقيدة القادرة على أن تخوض بهم معترك كل صراع وتحقق لهم النصر والتمكين والاستخلاف0


[1] سورة آل عمران : 142



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://anas-omar.ahlamontada.com
أسد الغفران
المدير العام
المدير العام
أسد الغفران


الجنس : ذكر
الأبراج : العذراء
عدد المشاركات : 903
التقيم : 211104
الشكر : 59701
تاريخ الميلاد : 01/09/1994
العمـــر : 29

مواقف في الدعوة والتربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مواقف في الدعوة والتربية   مواقف في الدعوة والتربية Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 9:44 pm



[b]ثانياً : مواجهة الفلسفات والأفكار الغازية بما يكشف زيفها وانحرافها، ويمنح أمتنا على نقض أصولها وكشف مثالبها وعيوبها 0


ثالثاً : العمل على تنظيف المجتمع من أسباب الانحراف والانحلال، بما يحفظ على الأجيال الأخلاق الكريمة والمثل الرفيعة.

رابعاً : العمل على تكوين طليعة واعية مؤهلة روحيا وفكريا وسياسيا وتنظيميا لاستخلاص المسلمين من الضياع والتيه الذى هم فيه .. لا ستنقاذهم من براثن الجاهلية وضغوطها ومؤثراتها. لجعل القوامة فى حياتهم للإسلام ونظامه .. لتعبيدهم لله فكرا وأخلاقا وتشريعا 0

إن كل هذه الأهداف لا يتم تحقيقها إلا برجل قادر على المواجهة والتحدى والتغيير، ولم يكن فى الساحة غير البنا.. ذلك الفتى الذى أدرك تطلع قومه لاستخلاصهم واستنقاذهم من الضياع.. ذلك القائد والمرشد الذى بدت فيه كل ملامح القيادة والإرشاد منذ صباه ومنذ تلمذته فى دار العلوم.. لقد ظهرت فيه كل ملامح القيادة والريادة من وعى وإدراك وإحساس عميق بثقل التبعة وعظم المسئولية سجل الكثير منه فى مذكراته التى ننصح كل عامل للإسلام أن يحرص على قراءتها. وسوف نقتطف هنا موضوع الإنشاء الذى كتبه فى امتحان التخرج من دار العلوم، مبينا كيف نذر نفسه لإرشاد أمته، وكيف كان طريقه منذ البداية واضحاً .. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .. يقول :

( .. كان أستاذنا أحمد يوسف نجاتى جزاه الله خيرا مغرما بالموضوعات الدسمة بالإنشاء، وله معنا نكات وتعليقات ظريفة فى هذه المعانى. ومن كلماته المأثورة، حين كان يمل الصحيح هذه المطولات، أن يقول والكراسات على يده ينوء بحملها كما ناء طول ليلة بتصحيحها : ((خذوا يا مشايخ! وزعوا ما تزعمونه إنشاء. عليكم بالقصد يا قوم فالبلاغة الايجاز. والله إنى لا أشبر الإنشاء ولا أذرعه)). ونضحك ونوزع الكراسات0

ومن الموضوعات التى أتحفنا بها بمناسبة آخر العام الدراسى، وكان بالنسبة لى ولفرقتى الامتحان النهائى سنة 1927 الميلادية، هذا الموضوع: ((اشرح أعظم آمالك بعد إتمام دراستك، وبين الوسائل التى تعدها لتحقيقها))0

وقد أجبت عنه بهذا الموضوع: ((أعتقد أن خير النفوس تلك النفس الطيبة التى ترى سعادتها فى إسعاد الناس وإرشادهم، وتستمد سرورها من إدخال السرور عليهم، وذود المكروه عنهم، وتعد التضحية فى سبيل الإصلاح العام ربحا وغنيمة، والجهاد فى الحق والهداية على توعر طريقهما، وما فيه من مصاعب ومتاعب راحة ولذة، وتنفذ إلى أعماق القلوب فتشعر بأدوائها، وتتغلغل فى مظاهر المجتمع، فتتعرف ما يعكر على الناس صفاء عيشهم ومسرة حياتهم، وما يزيد فى هذا الصفاء، ويضاعف تلك المسرة، لا يحدوها إلى ذلك إلا شعور بالرحمة لبنى الإنسان، وعطف عليهم، ورغبة شريفة فى خيرهم، فتحاول أن تبرئ هذه القلوب المريضة وتشرح لك الصدور الحرجة وتمر هاته النفوس المنقبضة، لا تحسب ساعة أسعد من تلك التى تنقذ فيها مخلوقا من هوة الشقاء الأبدى أو المادى، وترشده إلى طريق الاستقامة والسعادة 0

((وأعتقد أن العمل الذى لا يعدو نفعة صاحبه، ولا تتجاوز فائدته عاملة قاصر ضئيل، وخير الأعمال وأجلها ذلك الذى يتمتع بنتائجه العامل وغيره، من أسرته وأمته وبنى جنسه، وبقدر شمول هذا النفع يكون جلاله وخطره، وعلى هذه العقيدة سلكت سبيل المعلمين، لأنى أراهم نوراً ساطعاً يستنير به الجمع الكثير ويجرى فى هذا الجم الغفير، وإن كان كنور الشمعة التى تضىء للناس باحتراقها))0

((وأعتقد أن أجل غاية يجب أن يرى الإنسان إليها، وأعظم ربح يربحه أن يحوز رضا الله عنه، فيدخله حظيرة قدسه، ويخلع عليه جلابيب أنسه، ويزحزحه عن جحيم عذابه، وعذاب غضبه. والذى يقصد إلى هذه الغاية يعترضه مفرق طريقين، لكل خواصه ومميزاته، يسلك أيهما شاء :

أولهما : طريق التصوف الصادق، الذى يتلخص فى الإخلاص والعمل، وصرف القلب عن الاشتغال بالخلق خيرهم وشرهم وهو اقرب وأسلم0

والثانى: طريق التعليم والإرشاد، الذى يجامع الأول فى الإخلاص والعمل ويفارقه فى الاختلاط بالناس ودرس أحوالهم، وغشيان مجامعهم، ووصف العلاج الناجع لعللهم. وهذا أشرف عند الله وأعظم، ندب إليه القرآن العظيم ونادى بفضله الرسول الكريم. وقد رجح الثانى بعد أن نهجت الأول لتعدد نفعه، وعظيم فضله، ولأنه أوجب الطريقين على المتعلم، وأجملهما بمن فقد شيئا (لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )0

((وأعتقد أن قومى بحكم الأدوار السياسية التى اجتازوها، والمؤثرات الاجتماعية التى مرت بهم، وبتأثير المدنية الغربية، والشبه الأوربية، والفلسفة المادية، والتقليد الفرنجى بعدوا عن مقاصد دينهم، ومرامى كتابهم، ونسوا مجد آبائهم، وآثار أسلافهم، والتبس عليهم هذا الدين الصحيح بما نسب إليه ظلما وجهلا، وسترت عنهم حقيقته الناصعة البيضاء، وتعاليمه الحقيقية السمحة بحجب من الأوهام يحسر دونها البصر، وتقف أمامها الفكر، فوقع العوام فى ظلمة الجهالة، وتاه الشبان والمتعلمون فى بيداء حيرة وشك، أورثا العقيدة فسادا، وبدلا الإيمان إلحادا 00!))

((وأعتقد كذلك أن النفس الإنسانية محبة بطبعها، وأنه لابد من جهة تصرف إليها عاطفة حبها، فلم أر أحدا أولى بعاطفة حبى من صديق أمتزجت روحى بروحى، فأوليته محبتى، وآثرته بصداقتى))0

((كل ذلك أعتقده تأصلت فى نفسى جذوتها، وطالت فروعها، واخضرت أوراقها، وما بقى إلا أن تثمر، فكان أعظم آمالى بعد إتمام حياتى الدراسية أملان :

(خاص) وهو إسعاد أسرتى وقرابتى، والوفاء لذلك الصديق المحبوب ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وإلى أكبر حد تسمح به حالتى ويقدرنى الله عليه0

(وعام) وهو أن أكون مرشدا معلما، إذا قضيت فى تعليم الأبناء سحابة النهار، ومعظم العام قضيت ليلى فى تعليم الآباء هدف دينهم، ومنابع سعادتهم ومسرات حياتهم، تارة بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة0

وقد أعددت لتحقيق الأول معرفة بالجميل، وتقديرا للإحسان و((هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟)) ولتحقيق الثانى من الوسائل الخلقية: ((الثبات والتضحية)) وهما ألزم للمصلح من ظله، وسر نجاحه كله، وما تخلق بهما مصلح فأخفق إخفاقا يزرى أو يشينه، ومن الوسائل العملية: درسا طويلا، سأحاول أن تشهد لى به الأوراق الرسمية وتعرفا بالذين يعتنقون هذا المبدأ، ويعطفون على أهله، وجسما تعود الخشونة على ضآلته، وألف المشقة على نحافته، ونفسا بعتها لله صفقة رابحة، وتجارة بمشيئته منجية، راجيا منه قبولها، سائله إتمامها، ولكليهما عرفانا بالواجب وعونا من الله سبحانه، أقرؤه فى قوله ((إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم))0

((ذلك عهد بينى وبين ربى،ن أسجله على نفسى، وأشهد عليه أستاذى، فى وحدة لا يؤثر فيها إلا الضمير وليل لا يطلع عليه إلا اللطيف الخبير)) ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً))0000)0

رأينا كيف كان البنا يعرف ما يريد، ويعرف سبيله إلى ما يريد.. ذلك أنه من أخطر ما يؤثر فى بناء شخصية الداعية، ويقلل أو يزيد من فاعليته وحركته من أجل بناء حضارته الجديدة، انطلاقا من فكرته الإسلامية، هو درجة وضوح فكرته لديه، وشعوره بالثقة المطلقة بها وببساطتها بشكل يستطيع معه دخول معترك الصراع العقائدى الإنسانى، وهو يحمل شعارات واضحة محددة، يسهل عليه مقارنتها مع العقائد والمناهج بسرعة ويسر، ويتبين له من خلال تلك المقارنة الفرق الواضح بين فكرته وبين غيرها من الأفكار والمناهج، ويسهل عليه هذا الوضوح إيصال فكرته إلى عقل كل إنسان شريف وقلبه، فيقنعه بأنها هى الخير المحض، والعلم الخالص والحاجة الملحة.. بهذا التكوين الربانى تمكن حسن البنا وبخطوات الواثق المطمئن من تقديم إسلامه إلى مجتمعه المتخلف وإلى الإنسانية، كحل جذرى لما تعانيه من ضنك وآلام وعذاب. أنظر إليه وهو يجيب عن سؤال وجهه إليه صحفى يطلب منه أن يوضح بنفسه عن شخصيته للناس، فقال رحمه الله ((أنا سائح يطلب الحقيقة، وإنسان يبحث عن مدلول الإنسانية بين الناس، ومواطن ينشد لوطنه الكرامة والحرية والاستقرار والحياة الطيبة فى ظل الإسلام الحنيف0

أنا متجرد أدرك سر وجوده، فنادى: إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا من المسلمين 0

هذا أنا، فمن أنت؟؟ 0



0
حسن البنا 00 فى رشيد


فى أوائل سنة 1936م 0000



كانت قلوبنا متلهفة لرؤية حسن البنا فقد سمعنا عنه كثيرا وتطلعنا إلى رؤيته الشخصية.. فقد كانت له عندنا صورة قمنا بتكبيرها- وكتبنا تحتها بالخط الجميل (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)0

وتحدد موعد حضوره إلى رشيد.. وفمنا بعمل الدعاية اللازمة وقد أوفدنى الإخوان إلى مسجد الجندى- كى أدعو الناس لحضور الحفل وبعد الصلاة وقفت كى أطلب من المصلين الحضور إلى دار الجمعية للاستماع إلى محاضرة يلقيها الشيخ حسن البنا 00 ولكنى حين وقفت تعلثم لسانى وعجزت عن الكلام000 حيث كانت هذه أول مرة أقف فيها مثل هذا الموقف 00 ولكن الثانى خففوا عنى وسألونى عن قصدى قلت لهم ما أريد بأسلوبى العادى وانصرفت فى خجل شديد 00 ولكن الإخوان بعد ذلك نصحونى أن أستند عند الكلام إلى احد أعمدة المسجد حتى يمتص رعدتى وخوفى0

وجهز الإخوان مكان الحفل تجهيزا لائقاً ومنظما.. وذهبنا فى مجموعة كبيرة على أرسها الأستاذ أحمد السكرى.. والحاج محممود عبد الحليم الكبير رئيس الجمعية وتوجهنا إلى محطة السكة الحديد لاستقبال حسن البنا وصحبه 0

واقترب القطار وتطلعت العيون وتلهفت القلوب وتشوفت الأرواح لرؤيةب فضيلة الأستاذ المرشد العام .. الذى سوف نراه لأول مرة وتهادى القطار حتى وقف.. ونزل جمع من الإخوان فتسابقنا للسلام على الأستاذ المرشد العام .. ومع كوننا نعرفه من الصورة إلا أننا قمنا بالتسليم على شخص آخر كان يرتدى الجبة والعمامة وجسمه كبير فكان الرجل فى حرج شديد وهو يشير إلى شخصية حسن البنا .. ويقول هذا هو فضيلة المرشد العام.. ولم يكن هذا الشيخ سوى الشيخ سرحان عدوى من جمعية الإخوان المسلمين ببلدة (بنى مجد) بمنفلوط قبلى الذى كان فى صحبة فضيلة المرشد مع السيد محمد حامد أبو النصر من أعيان منفلوط قبلى0

والتففنا حول فضيلة المرشد نسلم عليه ونحاول كعادتنا مع من هو أكبر منا أن نقبل يده ولكنه كان يمتنع عن ذلك بشدة وسرنا فى موكب المرشد العام على الأقدام من محطة السكة الحديد إلى دار الجمعية 00

حتى إذا اقتربنا من دار الجمعية رأى الأستاذ البنا صورته موضوعة فوق منصة الخطابة وكنت أسير بالقرب منه ولم يكن سنى قد تجاوز السابعة عشرة فربت على كتفى بيده وقال لى لمن هذه الصورة؟ فقلت له إنها صورة الشيخ البنا. فقال لى إذا كان الشيخ البنا موجود شخصيا فما الداعى لوجود هذه الصورة .. اذهب فأنزلها0

فصعدت فوق منصبة الخطابة كى أقوم بخلع الصورة ولكن الإخوان صاحوا.. قال لهم الأستاذ البنا أنا أمرته بإنزالها. فأنزلتها 0

وكانت هذه أول صلتى بالأستاذ البنا.. وكان أول درس فى التوجيه والتربية تأثرت به تماما.. وإن لم أكن قد فقهت بعد، غير أن الضمير والقلب يعى دائماً الدروس الصادقة 0

وبعد صلاة العشاء فى مسجد المحلى توجه الأستاذ البنا إلى دار الجمعية- حيث امتلأت جميع الساحة المحيطة بها بأهالى رشيد ووجهائها وأعيانها، وفى مقدمتهم علماء رشيد الذين كنوا على مستوى كبير فى العلم والتقوى0

وافتتح الحفل بالقرآن الكريم 0

- ثم قامت مجموعة من شباب الإخوان وألقت نشيد يا رسول الله هل يرضيك أنا 0

- ثم قام الأستاذ أحمد السكرى فألقى كلمة حماسية شدت أنتباه الناس 0 ثم قال الأخ عبد الكريم بهلول وكان فى وقتها لا يزال طالبا بالمعهد الدينى فألقى قصيدة جاء فيها :

رأيت المجد فى مرساك يرسى




فجئت اليوم أفديكم بنفسى

وأبدى أن فى بلدى رجالا



لهم روحى وإيمانى وحسى

إذا ناديتهم للحق جاءوا



إلى الميدان فى أبهى الدمقس

يحبون الكفاح ليستردوا



إلى قدس الشريعة كل قدس

لهم فى الموت معنى سرمدى



جميل قد خلا من كل لبس

فيا من فيك آمالى تسامت



وكنت التاج إن توجت رأسى

يهنئكم بعيد الفطر شهم



وعى من نور هديك كل درس

ويرجو أن تكون حليف يمن



مع الأخوان فى عز وبأس


ثم تقدم الأستاذ حسن البنا بجلبابه الأبيض وعباءته الحجازية فى خطى وئيدة إلى المنصة وتعالت الهتافات (الله أكبر والحمد لله) ووقف برهة صامتا والناس قد سادهم السكون وكأن على رؤوسهم الطير ثم بدأ بحمد الله تعالى وأثنى عليه 00 وسبح بنا فى معان رقيقة رطب بها قلوبنا وأرواحنا 00 ثم قال :

أيها الإخوان فى رشيد 00 أرجو أن لا تعتبرونى زائر أو ضيفا فلعل كثيرا منكم لا يعرف أننى من مواليد المحمودية وهى تبعد عن رشيد ثلاثين كيلو مترا ولقد كانت المحمودية فيما مضى من أعمال محافظة رشيد وبهذا لا تعتبرونى ضيفا فإنما أنا من أبناء هذه المنطقة وكذا والدى الشيخ عبد الرحمن قد تتلمذ هنا فى مسجد زغلول على أيدى علماء رشيد الأفاضل وذكر بعض أسمائهم 0

ثم لا تظنوا أيها الأخوة أننى جئت كى أعلمكم الإسلام 00 وفى بلدكم هذا نبع العلم وولد العلماء 00 فلا تظنوا أننى إنما جئت كى أشرح لكم أو أبين لكم الحلال من الحرام فهذا أمر فطرى معلوم للعامة قبل الخاصة بل إن الحيوانات الأعجمية لتعرف الحلال من الحرام ولا أدل على ذلك من أن أحدكم حين يتناول طعامه ثم اقتربت منه قطة فأعطاها بيده لقمة من الخبز فإن القطة سوف تأكلها وهى آمنة مطمئنة أما إذا بخلت عليها بقطعة الخبز فإنها فى هذه الحالة سوف تسرقها ولا تلبث أن تجرى بعيداً عنك وهى خائفة منك تترقب أن تقوم لتضربها.. من الذى أودع فى روعها أنها فى المرة الأولى أكلت حلالا وفى المرة الثانية أكلت حراما؟

إذا كان هذا هو شأن الحيوان فما بالكم بالإنسان؟

إننى لم آت إليكم من أجل ذلك فأنتم ولله الحمد على بينة من كل هذا بفضل هؤلاء العلماء الأجلاء00

ولكننى قصدت إلى أن أقول لكم هل الإسلام الذى ارتضاه الله تعالى لنا هو ذلك الإسلام الذى نعيشه اليوم فى معاملاتنا وفى بيوتنا وفى مدارسنا وفى محاكمنا وفى كل أحوالنا.. هل المسلمون اليوم .. هم المثل الذى ينطبق مع تعاليم الإسلام وأحكام القرآن هل المسلمون ينطبق عليهم قول الله تعالى : (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) واستطرد حسن البنا يقارن بين إسلام الأمس وإسلام اليوم وبين مسلمى الصدر الأول ومسلمى هذا العصر .. مع الاستدلال بآيات القرآن الكريم التى كانت تواتيه بسرعة أذهلت العلماء الذين دهشوا لسرعة بديهة الأستاذ وسرعة ملاحقة الآيات القرآنية حين يحب الاستشهاد بها0

ولقد تعود الناس كما تعود العلماء .. أن يأتوا فى أول أحاديثهم بالآية الكريمة ثم يقوموا بتفسيرهم .. ولكن الأستاذ حسن البنا خالف هذا المنهج فى التفسير فهو يأتى بالموضوع حتى إذا استكمله وأصبح واضحاً فى ذهن المستمع ختمه بالآية القرآنيةب فتأتى تسجل المعنى وتزيده جلاء ووضوحا بل إنها تنزل على قلب المستمع بردا وسلاما وانشراحا 0

وبعد أن طاف بنا وأفاض وملك قلوبنا ومشاعرنا أعاد علينا تلخيصا لما قال ثم اختتم حديثه بين تطلع الناس إلى المزيد وتلهفهم إلى السلام عليه 0

وأنهى حديثه ثم نزل من المنصة ووقف يسلم على جماهير الناس 0

ثم أتخذ مجلسه بعد ذلك إلى جوار المنصة إلىالدار .. وبدأ الذين تأثروا بخطبته يقتربون من مجلسه . وبدأ هو يرحب بهم ويفسح لهم فى المجلس حتى إذا لم يعد فى الدار غيرهم طلب منا أن نجلس معه بعض الوقت داخل الدار فى إحدى الحجرات ثم بدأ يتعرف ويسألنا عن أسمائنا. وبعد أن تم التعارف أخذ يحدثنا حديثا خاصا يتقرب به إلى قلوبنا ويتعرف به على أحوالنا وكان ينادينا بأسمائنا التى سرعان ما حفظها وكان كلما ذكر اسم أحدنا نظرنا إلى هذا الأخ ونحن فى دهشة . كأنما ظننا أنه يعرفه قبلنا وسرعان ما ينادينا نحن بأسمائنا. وفى ختام هذا اللقاء طلب منا الأستاذ السكرى أن نأخذ من الأستاذ البنا بيعة0

وفى اليوم التالى للحفل توجه الأستاذ المرشد لزيارة جمعية تحفيظ القرآن الكريم ثم زيارة بعض أعيان المدينة (رشيد) ثم ودعناه أحر وداع حيث غادرنا إلى القاهرة مصحوبا برعاية الله بعد أن ترك فى نفوسنا جميعا أطيب الأثر وأعمق الفهم لدعوته ورسالته 0
بركة التوكل على الله



حين حصلت على دبلوم المدارس الثانوية الصناعية فى عام 1939 توجهت إلى القاهرة لأبحث عن عمل، والتقيت بفضيلة المرشد العام رحمه الله فى دار المركز العام بالحلمية الجديدة، وبعد أن رحب بى فضيلته سألنى عن سبب حضورى للقاهرة 0

قلت : لأبحث عن عمل 0

قال : ألم تفكر فى التطوع لمدرسة الصناعات الميكانيكية الحربية؟

قلت : إن خريجى المداس الصناعية معفون من خدمة الجيش !!

قال : لكن رسالتنا توجب علينا الخدمة فى هذا الميدان 0

قالت : لا مانع، ولكن سوف لا أنجح فى الكشف الطبى حيث أن إحدى عينى عليها سحابة مزمنة0

قال : توكل على الله وأنت تنجح 0

قلت : كيف أنجح فى الكشف الطبى وعينى على هذه الصورة؟

قال : من أجل هذا قلت لك توكل على الله لأنه لو كانت عينك سليمة كنت ستتوكل على عينك0

فهزنى هذا المعنى هزا عنيفا وتذوقت له طعما إيمانيا جديدا. وتوجهت إلى مدرسة الصناعات الحربية بالعباسية متوكلا على الله، واصطحبنا أحد الضباط مع بعض الزملاء إلى المستشفى العسكرى وكلى ثقة وأمل فى النجاح وبعد الكشف الطبى الكامل كنت ضمن من نجح فى الكشف الطبى. والتحقت بالمدرسة وأخذت حياتى مساراً جديداً لم يكن فى الحسبان 0

ولا أنسى أنه حين قامت الحرب العالمية الثانية استعجلت وزارة الحربية تخرجنا لنذهب إلى الميدان فى الصحراء الغربية. وكان (ضرب النار) من مواد الامتحان، وذهبت مع زملائى البالغ عددهم حوالى المائة طالب إلى ساحة (ضرب النار) وأنا شديد الأسى والألم حيث أخشى أن أرسب فى هذا الامتحان بالنسبة لضعف عينى اليمنى، ولكنى سرعان ما تذكرت كلمة الإمام (توكل على الله وأنت تنجح) وفعلا أشربت روحى هذه العقيدة واستيقنتها، وتوجهت إلى تبة (ضرب النار) بكل ثقة واطمئنان واستعملت عينى الأخرى وفى النهاية وقف (الصاغ) حسين أحمد قائد التبة ليعلن : أن الفائز الأول هو عباس السيسى0

وكانت مفاجأة مذهلة للذين يعرفون الحقيقة.. ولكنها كانت من حقائق صدق التوكيل على الله تعالى0

وظلت (توكل على الله) حقيقة مشفوعة بهذه الأحداث فى حياتى، عهقيدة ثابتة ثلازمنى فى كل المواقف الصعبة التى مرت بى أتذكرها بعمق وثقة وتعطينى الأمل والاطمئنان والصبر والثبات0

هذا ولقد فهمنا من حسن البنا حقيقة التوكل كل بنفس فهم المسلمين الأوائل على أنه بذل الجهد فى حدود الطاقة البشرية، ثم ترك التدبير إلى من بيده التدبير.. لقد كان هذا الفهم مفتاح كل خير وبركة ووقاية من كل شر0

وعلى هذا الفهم قامت تربية المرشد العام، فالتوكل من لوازم كمال الإيمان.. ذلك أن الإنسان المؤمن هو الإنسان الوفى بواجبات خلقعه وعبوديته لله، وهو الإنسان التقى المنصاع دائماً لأمر خالقه فى كل شأن من شئون الحياة النازل عند حكم الله فى كل قضية وموضوع.. وصفة التقوى فى الأخ المسلم لم تكن تتوفر إلا بالتربية والتعهد الدائبين المتوافقين مع أصول الإسلام وأحكامه حتى تتحق ولادة الفئة المؤمنة الممتثلة لأمر الله، المستعدة للجهاد فى سبيله، المتحرية لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم التى لا يضرها من خالفها حتى يأتى أمر الله0

00 على هذا الفهم اندفع الإخوان المسلمون يجاهدون لإعلاء كلمة الله بعزيمة وإصرار لا يلوون على شىء ولا يلتفتون إلى إغراء (الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا، وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل )([1])، فقد بصرهم إمامهم بحقيقة التوكل فى شريعة الإسلام، على أنه إدراك للمسئولية والواجب وعمل جاد مخلص يحمله أمناء بررة، ثم هم بعد ذلك يفوضون الأمر إلى الله، يرضون بقدره واختياره0

00 على هذا الفهم الصحيح اندفع الإخوان كما اندفع المسلمون الأوائل، الذين لم يعللوا أنفسهم بالأمانى ولم ينتظروا أن ينصرهم الله بطريقة سحرية غامضة الأسباب! فظهر منهم من روائع الأعمال، من صبر عند الشدائد، وصدق عند اللقاء، وبذل وتضحية عندما تتطلب أمور المسلمين البذل والتضحية، وسعى دائب فى طلب المعاش ثم الرزق بعد ذلك بيد الله لا بيد أحد سواه، وضرب فى الأرض يفتحون البلدان ويعمرونها، ويزبحون عن الطريق أعداء الله وأعداء الإنسان، وكان العمل الدائب المستمر على أساس من الكفاية التامة فى كل ناحية من نواحى الحياة اقتصادية وسياسية واجتماعية فأرغموا العالم على أن ينحو نحوا جديدا ويتخذ مسيرا على منهج الله لا مكان فيه للأهواء والأغراض والعصبيات ولا مجال فيه للأثرة والأنانية، ذلك هو العهد الإسلامى الذى لا يزال غرة فى جبين التاريخ 0

لقد علمنا رضى الله عنه أن مدلول التوكل لابد أن يقوم على فهم عميق لهذا الدين، وأن الله سبحانه وتعالى يساعد من يجاهد للهدى (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)([2])، وأنه يغير حال الناس حين يغيرون ما بأنفسهم، وأنه لا يغير ما بهم حتى يغيروا ما بأنفسهم : (أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)([3])، فهناك علاقة لا تنفك بين الجهد البشرى الذى يبذله الناس، وعون الله ومدده الذى يسعفهم به، فيبلغون به ما يجاهدون فيه من الخير والهدى والصلاح والفلاح. فإرادة الله هى الفاعلة فى النهاية، وبدونها لا يبلغ ((الإنسان)) بذاته شيئا، ولكن هذه الإرادة تعين من يعرف طريقها، ويستمد عونها، ويجاهد فى الله ليبلغ رضاه 0

وقد ارتبط هذا الفهم للتوكل ارتباطا وثيقا بقوة الدولة الإسلامية الأولى وتبوئها مكان الصدارة بالنسبة لدول الأرض وشعوبها، فكانت خير أمة أخرجت للناس 0

كما ارتبط انحطاط الدولة الإسلامية وبلوغها تلك الدرجة من التخلف فى شتى الميادين بالتواكل وفقدان الوعى بفقدان إدراك طبيعة هذا الدين واعتماده على كواهل البشر وطاقاتهم من أجل إقامته والتمكين له، فخضعت الشعوب الإسلامية إلى من ليسوا من أبنائها واستجابت لكل دعوة ليست من دينها وسكنت عن كل نيل من كرامتها، وتحملت كل ضيم ورضيت بكل هوان واستوى عندها الناصح والغاش، فسهل قيادها إلى حتفها وهلاكها، وهى راكنة إلى الذين ظلموا، مستسلمة إلى الذين خانوها، مكتفية بأن تلك أقدار مقدرة وهى لا تعلم بأن ذلتها من كسبها وتواكلها، وأن ضعفها يرجع إلى ركونها إلى غيرها، وأن تخليها عن قيادة البشرية يرجع إلى عدم فهمها لحقيقة هذا الدين ورفضه الذلة والهوان لأبنائه مهما كانت قلة عددهم وضعف عدتهم 0

ولقد كان تحول حياة المسلمين منالعمل المخلص الجاد والتوكل على الله إلى الدعة والتواكل والاستسلام إلى المقادير، هو السبب فى تحول القيادة عن الأمة المسلمة إلى غيرها، وأصابتها بعوامل الضعف التى منيت بها وانقلب عندهم ما كان واجباً من الدين من علم يتبعه عمل، محظوراً فيه 000

وما على المسلمين إذا أرادوا أن يضعوا أيديهم على بداية الطريق إلا أن يعتصموا بدين الله، واضعين نصب أعينهم ما أمرهم الله به من كتابه وسنة نبيه، فينهضوا كما سبق لاسلافهم أن ينهضوا، فيستردوا مفقودا، ويحفظوا موجودا، وينالوا عند الله مقاما محمودا، مع وعد من الله قاطع بنصرهم، والتمكين لهم أخذه علىنفسه فى قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم فى الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكن لهم دينهم الذى ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدوننى لا يشركون بى شيئا) ([4])0


حسن البنا 00 وهذا القرآن

استقبلنا حسن البنا على محطة السكة الحديد بالاسكندرية قبيل المغرب فى أحد أيام عام 1937، حيث كان على موعد ليلقى كلمة فى الاحتفال بذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم فى مسجد نبى الله دانيال. وكنا فى هذا الوقت قلة من الشباب، فلما دخلنا المسجد وقف جمهور المصلين فى دهشة واستغراب لأنهم لأول مرة يشاهدون شبابا يدخل المساجد، فهم جميعا من المعمرين الذين تجاوزت أعمارهم الستين عاما 0

إن مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ بنزول القرآن الكريم، فلولا هذا الكتاب ما عرف المسلمون شخصية الرسول العظيم، لهذا كان لزاما علينا أن نتعرف على هذا الكتاب الكريم0

وقال : إن مثل كتاب الله كمثل ساعة، بعض الناس يتركونها فيلعبون بها ولا يعرفون قيمتها، وبعض الناس يستفيدون من إصلاحها، وآخرون هم الذين يستعملونها فى الغرض الذى صنعت من أجله.. وهكذا كتاب الله تعالى بعض الناس يعلقونه على الأبواب يضعه تحت وسادته عند النوم وهؤلاء كالأطفال، وآخرون يقرأونه فى الحفلات أو المقابر وهؤلاء هم الذين يتقاضون أجرا عليه، وقليل من الناس يتعامل مع القرآن فيشرحه ويعلمه ويلتزم بتعاليمه وهؤلاء هم الذين يضبطون به حياتهم ويجاهدون به فى سبيل إقامة الدولة المسلمة لذلك فنحن نعمل جاهدين، لكى يصبح القرآن دستورنا0

لا دستور لنا إلا القرآن.. فلم ينزل القرآن من علياء السماء على قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليكون تميمة يحتجب بها أو أورادا تقرأ على المقابر وفى المآتم أو ليكتب فى السطور ويحفظ فى الصدور فقط، أو ليحمل أوراقا ويهمل أخلاقا، أو ليحفظ كلاما ويهجر أحكاما 0

وإنما نزل ليهدى البشرية إلى السعادة والخير (قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه، ويهديهم إلى صراط مستقيم)()0

أليس من العيب أيها المسلمون أن ترضوا بأحكام الإفرنج ولا ترضوا بحكم الله، مع أن الله تعالى قد وصم كل أمة لا تحكم بأحكام كتابه بالفسق فقال : (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون)() بل جعل الفسق هينا فوصمها بالظلم (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون)()0

إن مثلكم أيها المسلمون عندما تركتم كتاب الله وراءكم، كمثل الرجل الذى بيده المصباح، فيأبى إلا أن يطفئه، ويلتمس غيره عند العميان 0

وأن مثل موقف المسلمين اليوم من كتاب الله تعالى، كمثل جماعة أحاط بهم ظلام من كل جانب، فساروا على غير هدى يخبطون خبط عشواء مع أن فى أيديهم مفتاح كهرباء لو وصلت إليه أصابعهم، يستطيعون بحركة بسيطة أن يضيئوا مصباحا قويا زاهرا 000 هذا مثل موقف المسلمين اليوم من كتاب الله0

وإن العالم الآن، قد غشيته موجة مادية، فجعلته كسفينة حار ربانها وأتت عليها العواصف من كل جانب، فالإنسانية قلقة معذبة، قد اكتوت بنيران المطامع والأغراض، فهى فى حاجة إلى عذب من هدى القرآن يغسل عنها أو ضار الشقاء ويأخذ بها إلى السعادة 0

وإن علماء القانون، عندما تركوا القرآن، واتجهوا إلى غيره: مثلهم كمثل الرجل الذى تكدست خزائنه بالأموال، ثم يتجه إلى المرابين ليقترض منهم بأفحش الفوائد الربوية، ولا يفعل ذلك عاقل أبدا 0

ويحى على ساسة القانون ويحهم

على جهود أضاعوها وما وجدوا

وبين أيديهم القرآن يوردهم

أسمى المناهج والأحكام لو وردوا

أيها المسلمون :

ليس من العجب أن هؤلاء الغربين، الذين لم يفتح الله بصائرهم على نور القرآن الكريم يسيرون على غير هدى لأن الله تعالى يقول: (ومن لم يجعل الله نورا فما له من نور)([5])، ولكن العجب فى هؤلاء المسلمين، الذين لا يخلوا جيب من جيوبهم ولا بيت من بيوتهم من نسخة من كتاب الله تعالى 00 هؤلاء المسلمون، استطاع الغربيون أن يبعدوهم عن نور قرآنهم وهدى نبيهم تارة بالشهوات وطورا بالقوة والعلم (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)([6]) حتى أصبح المسلمون كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول : ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه)) قالوا : اليهود والنصارى يا رسول الله . قال : ((فمن غيرهم))([7])0

هذا مع أن الله تعالى حذر المسلمين من ذلك فقال (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا فتنقلبوا خاسرين، بل الله مولاكم وهو خير الناصرين) ([url=https://anas-omar.ahlamontada.com/post.forum?mode=reply&t=377#_ftn8]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://anas-omar.ahlamontada.com
أسد الغفران
المدير العام
المدير العام
أسد الغفران


الجنس : ذكر
الأبراج : العذراء
عدد المشاركات : 903
التقيم : 211104
الشكر : 59701
تاريخ الميلاد : 01/09/1994
العمـــر : 29

مواقف في الدعوة والتربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مواقف في الدعوة والتربية   مواقف في الدعوة والتربية Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 9:46 pm



[b]تشقيه فوضى عليها الغرب يعتمد


هذا هو القرآن الكريم الذى اتخذناه نحن الإخوان المسلمون قانونا لنا ودستورا نستمد منه نورا ونستلهم منه رشدا، فهو المنقذحين تترى الخطوب والمحن وهو المخرج من ربقة الذل وضلال الفتن، وهو الصالح لكل جيل فى أى عهد أو زمن 0

وبعد انتهاء الحفل خرجنا مع حسن البنا وركبنا (حنطورا) وأخذنا نجوب حفلات المولد المنتشرة فى المدينة كالعادة فى هذه الأيام. وكنا نستأذن من القائمين على الحفل ليشارك الأستاذ البنا بكلمة فى الذكرى وكثيرا ما كان الصخب يسود هذه الأحفال، فعادة المجتمع فى مثل هذه المناسبات لا يعطى للذكرى جلالها ولا للمتحدث الجو المناسب، ولكن لم يكن هذا المسلك يسبب لنا يأساً أو تراجعاً0

وبعد انتهاء الأستاذ من هذه الجولة ذهبنا إلى دار الإخوان بعمارة ماجستيك بالمنشية، وهناك سمعت من حديثه.. أنه عندما قام الإخوان بعمل مظاهرات فى البلاد انتصارا لقضية فلسطين عام 1936 استدعاه رئيس النيابة فى القاهرة للتحقيق معه، وقبل أن يدخل مكتب النائب العام تقدم أحد المحامين يطلب من فضيلته أن يدخل معه أثناء التحقيق. ولكن الأستاذ لاحظ أن المحامى يمسك (بسيجارة) مع العلم بأن الوقت فى شهر رمضان المعظم، فقال له الأستاذ المرشد: نحن لا نستعين بمن يعصى الله فى طاعة الله تعالى 0

كما أذكر أننى ذات يوم، وكنا نعود من جولة داخل مدينة الاسكندرية قلت لفضيلته: أنا غاضب وحزين ومتألم يا فضيلة المرشد. أليس من أهدافنا تحرير الوطن الإسلامى من كل سلطان أجنبى؟

قال : نعم . قلت : فكيف علمت أن روسيا الشيوعية قد اقتحمت دولة ألبانيا المسلمة.. وبهذا بدل أن نحرر وطننا من الاستعمار فقد ضاع منا وطن آخر !!

قال : وهل أنت متألم إلى هذا الحد؟ قلت : جدا

قال : وهذا هو المطلوب . قلت : وكيف ذلك؟

قال : لو أن كل المسلمين تألموا مثلك نكون قد بدأنا الطريق، فنحن أولا فى حاجة إلى يقظة وصحوة، فالجسم الميت لا يشعر بالألم 0

فعلمت أن عودة الوعى هو بداية الطريق فى نهوض هذه الأمة 0كما أذكر حين كان الأستاذ المرشد يسير فى شارع شريف (صلاح سالم) بالاسكندرية فى طريقنا إلى محطة السكة الحديد للعودة إلى القاهرة، كان الشارع مزدحما (بالخواجات) بل هم الكثرة الكاثرة، وكانوا فى أوج العزة والكرامة كما كانوا فى أبهى وأنظف صورة، فنظر إلينا فضيلته، وقال : أتدرون لماذا يتمتع هؤلاء (الخواجات) بهذا المجد وهذا السلطان وهذه السعادة؟! .. إنهم جاهدوا وكافحوا وقاتلوا واستعذبوا الغربة والبعد عن أوطانهم، وبعد أن حققوا كل ما يتطلعون إليه من مجد بجنون الآن ثمار جهادهم. ونحن الآن لا ينبغى لنا أن نتطلع إلى هذه المظاهر من الراحة والسعادة التى نشاهدهم فيها قبل أن نحقق أهدافنا فى تحرير بلادنا وتحكيم قرآننا ليتحقق لنا مجتمع إسلامى فيه العزة والأمن والسعادة لكل مسلم، والطريق طويل والأمل فى الله كبير 0

وهكذا جاء حسن البنا كما يقول روبير جاكسون إجابة طبيعية لقول ((غلادستون)) حينما وقف فى مجلس العموم البريطانى وهو يحمل ((المصحف))، ويقول : ((ما دام هذا الكتاب باقيا فى الأرض فلا أمل لنا فى إخضاع المسلمين0

ودهش الناس يومئذ ! ماذا يقصد ((غلادستون)) من هذا القول، فقد كان المصحف موجوداً إذ ذاك، ولكنه لم يكن موجوداً على الوجه الذى يخشاه ((غلادستون))0

لقد كان الناس فى الشرق قد طوتهم ظلامات القرون. وأفسدت عقائدهم، أقوال العلماء من صنائع السلطان، الذين أغلقوا باب الاجتهاد وأفتوا لصالح الحاكم الظالم، فلم يكونوا يفهمون من القرآن إلا أنه كتاب الله يقرآونه على القبور وفى الصلاة 0

حتى جاء حسن البنا على أثر نداء غلادستون، ليقول للناس، إن خطر هذا الكتاب الذى يخشاه المستعمرون، ليس لآن آيات تقرأ فى الصلاة أو ترددها الشفاه، وإنما لأنه كتاب تشريع وقيادة، وإمامة وحكم 0

وإنما يخشى الغرب روح الإسلام لو تبدت، دبت اليقظة فى أوصاله فأفسد ذلك على المستعمرين أغراضهم. وقامت فى الشرق أمة تحب الموت فى سبيل الحرية والكرامة والعزة 0

وكان حسن البنا هو الرجل الذى أخرجه الله ليكتب هذه الصفحة الجديدة فى تاريخ الشرق الحديث. أ.هـ.
حسن البنا .. يحافظ على جوهر الدعوة


كان ذلك فى مؤتمر الطلاب للإخوان المسلمين الذى انعقد بدار جمعية الشباب المسلمين بالقاهرة عام 1938 حين وقف حسن البنا للخطابة إذ تحمس أحد الإخوة من الطلاب فهتف حياة حسن البنا وبرغم عدم استجابة الحاضرين لهذا الهتاف إلا أن فضيلته وقف صامتا لا يتحرك برهة، فاتجهت إليه الأنظار فى تطلع.. ثم بدأ حديثه فى غضب فقال :

أيها الإخوان إن اليوم الذى يهتف فى دعوتنا بأشخاص لن يكون ولن يأتى أبدا، إن دعوتنا إسلامية ربانية قامت على عقيدة التوحيد، فلن تحيد عنها0

أيها الإخوان إن اليوم الذى يهتف فى دعوتنا بأشخاص لن يكون ولن يأتى أبدا، إن دعوتنا إسلامية ربانية قامت على عقيدة التوحيد، فلن تحيد عنها 0

أيها الإخوان لا تنسوا فى غمرة الحماس الأصول التى آمنا وهتفنا بها (الرسول قدوتنا) (إن الله وملائكته يصلون على النبى يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)([1])0

وبهذا الموقف وضع الإمام الشهيد شباب الدعوة أمام صورة حية للمحافظة على جوهر الدعوة والاستمساك بها وعدم التعلق بأشخاص مهما تكن مراكزهم فى مسيرة العمل الإسلامى0

وفى مدينة رشيد أقام الإخوان حفلا بمناسبة ذكرى الإسراء والمعراج على صاحبهما أفضل الصلاة والسلام. وحين جاء أحد المتكلمين فى الحفل وقد كان من المتحمسين لنشر دعوة الإخوان، قام متحدثا إلى الناس فقال: إن مثلنا الآن من فضيلة الأستاذ المرشد وهو يشير إليه، كمثل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه. وما كاد الأستاذ المتحدث ينتهى من هذه العبارة حتى قفز الإمام الشهيد إلى المنصة ثم اتجه إلى الناس قائلاً :

أيها الإخوة معذرة إذا كان الأستاذ المتحدث قد خانه التعبير، فأين نحن من تلامذة تلامذة رسول الله صلى الله عليه وسلم 0

ثم نزل إلى مكانه ولم يستطع الأستاذ المتحدث إكمال الحديث كما بدأه0

وفى اليوم التالى انقطع اتصاله بالإخوان فى الاسكندرية وبعد مدة أعلن عن تكوين جمعية التقوى والإرشاد!

لم يكن فى استطاعة ((البنا)) السكوت على هذه التصرفات.. ذلك أنها كانت تمس الأصل الكبير الذى قامت عليه دعوته وجماعته، فقام ليعذر إلى الله فى التو واللحظة ويقطع مسلكاً من مسالك الإنحراف فى طريق الدعوة وأساسها الربانى. فهو الذى علم الإخوان لا يهتفوا باسم أحد إلا الله، ولا يعظموا شخصا ولا يحيوا إنساناً إلا الرسول الكريم0

استمع إليه وهو يشرح هذا الهتاف ويعمق معانيه فى النفوس حين يقول :

الله غايتنا :

إن دعوة الإسلام أيها المسلمون مبدؤها ومنتهاها أن يتصل الناس بالله صلة حقيقية تطهر من قلوبهم وتغير من نفوسهم وأن يتعرفوا عليه تعرفا حقيقياً وهى الغاية التى قامت عليها السموات والأرض وبعث لأجلها النبيون ويقوم بها الصالحون 0

فالناس لا ينصلحون ولا تنصلح أحوالهم إلا إذا عرفوا ربهم00 نريد نحن الإخوان أن نقيم الناس على أمر الله، وذلك لن يكون إلا إذا عرفوه وتفتحت قلوبهم عليه0

فإذا لامست معرفة الله قلب الإنسان تحول من حال إلى حال، وإذا تحول القلب تحول الفرد، وإذا تحول الفرد تحولت الأسرة، وإذا تحولت الأسرة تحولت الأمة وما الأمة إلا مجموعة أسر وأفراد 0

فإننا حينما نهتف ((الله غايتنا)) فإنما نريد أن تعلوا كلمة الله علي كل كلمة وأن يسود تشريع الله على كل تشريع وأن يصبح المسلمون جميعا ربانيين0

إذن فغايتنا الله، لأننا ندعو الناس إلى الله، ونجمعهم على الله، ونعرفهم بالله، ونحن نعلم أننا ما خلقنا فى هذا الوجود إلا لعبادته (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)([2]) .. ويقول الله تعالى فى الحديث القدسى: ((يا عبادى ما خلقتكم لأستكثر بكم من قلة، ولا لأستأنس بكم من وحشة، ولا لأستعين بكم على أمر عجزت عنه، ولا لجلب منفعة، ولا لدفع مضرة، وإنما خلقتكم لتعبدونى طويلا وتذكرونى كثيرا وتسبحونى بكرة وأصيلا ))0

ونحن نأتمر بما أمر الله به رسوله صلى الله عليه وسلم إذ قال له : (قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين، لا شريك له، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)([3])0

وننتصح لما نصح به الرسول صلى الله عليه وسلم ابن عمه عبد الله بن عباس إذ قال له : ((إحفظ الله يحفظك. إحفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشىء، لم ينفعوك إلا بشىء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشىء لم يضروك إلا بشىء قد كتبه الله عليك. جفت الأقلام وطويت الصحف))()0

فنحن لا نتوكل إلا على الله، ولا نطلب إلا من الله. ولا نخاف إلا الله. فلن نضام ما دام معنا الله، فنحن فى نعيم دائم ولو تكاثرت علينا مصائب الدنيا (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب()0

الرسول زعيمنا :

إننا لم نتخذ زعيما من الناس ينعق لنا وننعق له، ويهتف لنا ونهتف له . ولكنا بعثنا محمدا فى نفوسنا وأحييناه فى ضمائرنا 0

إن الرسول لحى فى ضمائرنا

على الزمان يرى منا ويستمع

كأن والله فى التنزيل قارؤه

يحس صوت رسول الله يرتفع

فهو صلى الله عليه وسلم زعيم بكل ما فى معنى الزعامة من قوة وسؤدد لا يداينه فى زعامته أحد من الناس، ولا يضاهيه فى سياسته سواه من الخلائق.. قوة وشدة فى غير عنف، ولين فى غير ضعف، ويقظة لا تلحقها الغرة، وفراسة تخترق حجب الضمائر، كأنما تحدثه من أمر عواقبه. ثم بعد ذلك تأييد من الله تتبعه العصمة ويمده التوفيق، وأية زعامة أخلد على الدنيا من زعامة محمد صلى الله عليه وسلم، وأية سياسة أروع من سياسته التى انتجت فى عشر سنين، أمة وحضارة ودولة فى حين لم يكن العرب لا يعرفون شيئا من ذلك، إلا أنها زعامة أشار إليها صلى الله عليه وسلم بنفسه فقال : ((أنا سيد ولد آدم ولا فخر وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر)) 0

فكم من زعماء زالت زعامتهم بمرور الزمن عليهم.. أما زعامته صلى الله عليه وسلم فلا تزال فى ازدياد، وآثار شريعته فى نمو واضطراد، فلا يزيدها تقدم العصور إلا ظهور وانبلاجا، وشدة النقد والتمحيص إلا قوة وثباتا000

كم من زعامة سيد لو محصت

يأتى عليها النقد لا تتجلد

يبنون مجدهم على قهر الورى

والمجد يبرأ منهم والسؤدد

الفتح عندهم هوى وتعسف

وممالك تهوى وأخرى تخمد

دستورك القرآن أما ذكره

فهدى وأما حكمه فمسدد

تعالوا يا زعماء اليوم نلق عليكم درسا من زعامة محمد 00 إن فيكم زعماء أحزاب وليس فيكم زعيم أمة، أما محمد فكان زعيم الإنسانية جمعاء. بلغتم مكان الزعامة الاقليمية عن طريق الحزبية أو الثروة أو القوة ولم تستطيعوا أن تنسوا ضعفكم الذى ارتفع على كواهل الغير00 أما محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بلغ الزعامة العالمية عن طريق الفقر والغربة والجهاد، وكون فى عدد الأصابع من السنين أمة حكمت الدنيا وسيطرت على العالم ونشرت دين الله فى الأرض 0

يا زعماء اليوم: إنكم تكونون قبل الزعامة ناسا كالناس، وتصبحون بعدها آلهة كالآلهة.. أما محمد فقد ملك الحجاز واليمن وما داناهما من العراق والشام، وظل ينام على فراش من أدم حشوه ليف، ويبيت اللليالى هو وأهله لا يجدون العشاء ويمكثون الشهر لا يستوقدون نارا إن هو إلا التمر والماء ولما حضرته الوفاة كانت عنده سبعة دنانير فخاف أن يقبضه (الله) وهى عنده، فقال لأهل بيته: وزعوها على فقراء المسلمين. ولكن اشتغالهم- بتمريضه وشدة وطأة المرض عليه أنساهم تنفيذ أمره، فلما أفاق من غشيته سألهم ماذا فعلوا بالدنانير؟، قالت عائشة ما تزال عندها، فأمرها بإحضارها، ثم وضعها على كفه وقال : ((ما ظن محمد بربه إذا لقى الله وهذه الدنانير عنده)) حقا كانت الدنيا فى يده وليست فى قلبه 0

هذه هى زعامة محمد صلى الله عليه وسلم يا زعماء اليوم 000 ! فهل تجدون بين زعامتكم وزعامته صلة، أو بين سياستكم وسياسته مشابهة؟ وحسبكم ما قاله أحد مستشرقى أوربا فى هذا المعنى: إن البشرية لتفخر بانتساب رجل كمحمد إليها، إذ أنه رغم أميته استطاع أن يؤسس دولة ويؤلف أمة وينشر دينا 0

ذلكم محمد الذى اتخذناه زعيما لنا نهتدى بهداه ونقتدى به ونسير على منواله، (لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة)([4]) ونعمل على ابتعاث تراثه واستعادة مجده0
********


وعلى هذا كان ((البنا)) يعمل جاهدا على تنمية هذا الوعى العقيدى فى نفوس جماعته.. فقد كان رضى الله عنه يدرك أن تكاليف العمل الإسلامى ضخمة وشاقة، وأن النهوض بها يحتاج إلى بنيان حركى متين تتوفر فيه كل مقومات الصمود والاستمرار والنجاح.. هذه المقومات التى تبعث على صمود الحركة وانتصارها هى وعيها العقيدى.. وعيها كحركة ووعيها كأفراد 0

ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان شديد الحرص منذ اليوم الأول- على أن يأتى بناء الجماعة المسلمة نتيجة الوعى العقائدى، وثمرة الالتزام به والانقياد له والتفاعل معه.. لم تكن ((العاطفة)) هى قوة الدفع فى كيان الجماعة بل كانت العقيدة أساس البناء كله 000 كل الإيمان الواعى وقود النفوس ومحركها الأصيل فى جهادها الشاق الطويل00

وهذا ما جعل بناء الجماعة المسلمة الأولى فريدا فى مظهره وجوهره00 لم يتخذ شكلا ((حزبيا)) كالذى نراه فى التنظيمات السياسية والحزبية الحديثة 00 ولم يتخذ شكلا ((زعاميا)) يكون الناس فيه ((قطيعا)) يسير وراء الزعيم على غير هدى 00 إنما كانت ملامح هذه الجماعة تؤكد العمق العقائدى فيها 0

لم تكن التبعية فى التجمع الإسلامى الأول لأشخاص.. كما لم يكن الإقبال عليه والانتساب إليه يستهدف مصالح العاملين فيه 00 بل إن التبعية كانت للمبادئ، وكان طمع الأتباع يستهدف رضاء الله عز وجل.. قال شداد بن الهاد : ((جاء رجل من الأعراب إلى النبى صلى الله عليه وسلم، فآمن به واتبعه فقال : أهاجر معك. فأوصى به بعض الصحابة .. فلما كانت ((غزوة خيبر)) غنم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا، فقسمه وقسم للأعرابى.. فقال الأعرابى للرسول: ما على هذا اتبعتك..ولكن اتبعتك على أن أرمى ها هنا وأشار إلى حلقه- بسهم فأموت فأدخل الجنة. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن تصدق الله ليصدقنك الله. ثم نهضوا إلى القتال، فأتى به وهو مقتول. فقال الرسول: أهو هو؟ فقالوا: نعم. قال: صدق الله فصدقه)).

هذا الوعى العقائدى هو الذى حفظ كيان الجماعة المسلمة من الانفراط بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم. ولقد تجسد فى أبهى صورة وأوقع بيان حين وقف أبو بكر الصديق رضى الله عنه يعلن على الملأ: ((من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حى لا يموت)) ثم قرأ على الناس قول الله تعالى: ((وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفئن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم)([5])0

لقد تجلى هذا الوعى فى حياة المسلمين الخاصة والعامة.. كان البصر الثاقب والعقل الراجح، والبصيرة النافذة.. بل كان الضياء والنور وصوت الضمير فى كيان الفرد والجماعة 0

لقد كان حسن البنا حريصا على أن يترسم بجماعته خطى الجماعة المسلمة الأولى تنظيما ووعيا وتربية والتزاما، لتكون فى مستوى الأعباء الضخمة التى حملتها بعد أن تخلى عنها الناس.. أنظر إليه رضى الله عنه وهو يشترط فى بيعته أن يكون ((التجرد)) صفة لازمة للأخ المسلم حيث يقول : ((وأريد بالتجرد : أن تتخلص لفكرتك من كل ما سواها من المبادئ والأشخاص، لأنها أسمى الفكر وأجمعها وأعلاها (صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة)([6]) (قد كانت لكم أسوة حسنة فى إبراهيم والذين معه، إذ قالوا لقومهم: إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله، كفرنا بكم، وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا، حتى تؤمنوا بالله وحده)([7])0

حسن البنا .. يطالب بحكم الإسلام


منذ أكثر من أربعين عاما كتب الإمام الشهيد رضوان الله عليه رسالة إلى أحمد خشبة باشا وزير الحقانية (العدل) فى مصر حين ذاك، يعذر فيها إلى الله ويطالبه بالحكم بما أنزل الله، فىالوقت الذى كان يعكف فيه على تربية جيله المؤمن الجديد . وقد أفضى إلى ربه شهيد الدعوة التى عاش لها، وبقى الجيل الذى رباه أمينا مصرا، لا يرضى إلا بالحق، ولا يميل مع الريح0
*****


(حضرت صاحب المعالى أحمد خشبة باشا وزير الحقانية )0

أحمد إليكم الله الذى لا إله إلا هو. وأصلى وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تمسك بشريعته إلى يوم الدين، وأرفع إليك تحية الإخوان المسلمين فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 0

لست فى حاجة إلى أن أتقدم إليكم بالبراهين الكثيرة والحجج المتضافرة على أن دواء هذه الأمة فى رجوعها إلى هدى الإسلام فى كل الشئون، وأول هذه الشئون القانون، فأنت بحمد الله فيما أعتقد مقتنع بهذه الفكرة : سمعتك تتحدث بها وتدلل عليها وتعمل لها وانت خارج الحكم، وأنت عضو مجلس إدارة الشبان المسلمين، وأنت أمين صندوق اللجنة العامة للدفاع عن فلسطين، وأنت رئيس جماعة إحياء مجد الإسلام0

والآن (معالى الباشا) وقد جاء دور العمل وواجهنا الحقائق، ودخلنا بوتقة التجارب، وأصبحت وأنت شيخ القضاة ورأس المشرعين فى مركز تستطيع فيه أن تحقق ما يرجوه المسلمون جميعا ويتمنونه، ويريدون الحصول عليه مهما كلفهم ذلك من أثمان، وما كنت أنت نفسك تتمناه وترجوه وتؤمن بصلاحيته وتعتقده، من وجوب تعديل القوانين، وتوحيد المحكمة المصرية حول شريعة الإسلام الآن وقد صرت راعيا مسئولا عن الرعية من ناحيتك0

إن صدور الأمة محرجة أشد الحرج لشعورها بأنها تحكم بغير كتاب الله وقانونه وشريعته، وأن الشعوب إن تعودت الصبر حينا فإن الإنفجار نتيجة طبيعية لهذا الصبر فى كثير من الأحيان، وليس يحرج النفس شىء أكثر من الاصطدام بالعقيدة الراسخة الثابتة. وأن قوانيننا الحالية تنافى الإسلام وتصدمه وتحطمه فى نفوس المؤمنين به وهم كل هذا الشعب، وقد تفتحت أذهان الأمة وأدركت بعد ما بينها وبين دينها فى هذه الناحية فشعرت بالحرج الشديد إن بقيت الحال على ما هى عليه، فلا تلجئوا الناس إلى عصيان القوانين واحتقار الشرائع والتبرم بالقضاء وبالأحكام. يا (باشا) لنقف معا بين يدى الله ونسمع معا، ألم يقل الله تبارك وتعالى :

1- (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكمون فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا فى أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما)([8])

2- (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك، فإن تولوا فأعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسفون. أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون؟)([9]) . فى بيان طويل يستفتح بالآية الكريمة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (والظالمون) (والفاسقون).

3- (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما)([10])0

هذا فى الناحية الكلية، وفى الناحية الجزئية قد بين القرآن كثيرا من الأحكام فى كثيرا من الشئون المدنية والجنائية والدولية والتجارية وما إليها، وأكدت الأحاديث الصحيحة كل ذلك وأيدته، وما أنزلها الله وقدرها إلا ليعمل بها المسلمون، وينتهوا إلى حكمه فيها، ويستمدوا منها ويطبقوا عليها فإذا كانت قوانيننا وشرائعنا والدستور نفسه مستمدة من معين غير هذا المعين مستقاة من مصادر أوربية بحتة: بلجيكية وفرنسية ورومانية وهى فى كثير من كلياتها وجزئياتها تتناقض تناقضا صارخا مع التعاليم الإسلامية الصريحة، فيكف يكون موقف المسلم الذى يؤمن بالله وكتابه فيما إذا عرضت قضية حكم فيها بغير ما أنزل الله وكان الحكم مناقضا لدين الله؟! وكيف يستحل القاضى هذه المخالفة، وكيف يستسيغها وكيف يتحمل تبعتا شهيخ القضاة ووزير العدالة والتشريع بين يدى أحكم الحاكمين؟

أنقذونا يا (باشا) من هذا الحرج وأخروجونا من هذه الورطة، ولا تجعلوا أعمالنا تصطدم بعقائدنا. وأنا أعرف كثيرا من الناس يفضل ضياع حقوقه مدنية أو جنائية أوتجارية على أن يقف بين يدى قاض يحكم بغير ما أنزل الله0

إن التبعة (يا باشا) كبيرة، ولئن كان هذا الحساب شديدا فإن هناك حساب أشد، ومهمتنا التذكير، ولا يغنى أن تتعلل بالمعاذير فإن الله لا ينظر إلا القلوب والأعمال. هذا من الوجهة الروحية البحتة ولنأت من الوجهة القانونية0

ألم يعترف كبار رجال القانون من مصريين وأجانب بأن الشريعة الإسلامية من أخصب منابع التشريع وأزكاها وأدقها وأشملها؟ ولم ننس بعد تصريح المسيو بيولا كازللى بوجوب تصحيح القواعد الفاسدة فى القانون الفرنسى المعمول به فى مصر طبقا للشريعة الإسلامية ولم ننس كذلك محاضرات المسيو لاميير وتصريحاته الخطيرة الواضحة فى هذا الشأن، ولم ينس بعد تقارير مؤتمر لاهاى فى الإشادة بالشريعة الإسلامية وامتداح نظرياتها القانونية والبحوث القيمة وكفايتها فى التشريع التام. وفى مصر كثير من أعلام رجال القانون يؤمنون بذلك ويصرحون به ويودون أن يكلفوا الاضطلاع بهذا العبء وعجيب أن يكون من بينهم المستشارون فى المحاكم المختلطة بله المحاكم الأهلية، ومن هؤلاء محمد (بك) صادق فهمى رئيس محكمة المنصورة المختلطة، والأستاذ عبد الرازق السنهورى (بك) عميد كلية الحقوق السابق، كما أشار إلى ذلك حضرة كامل (بك) مرسى، وعبد الفتاح (بك) السيد الأستاذ على بدوى من أساتذة القانون فى المحاكم وفى كلية الحقوق0

والبحث العلمى أعدل شاهد على صحة هذه النظريات، وما قال هؤلاء ما قالوا إلا بعد دراسات طويلة وبحوث عميقة خلدوا بعضها بكتاباتهم وبقى بعضها مستقرا فى نفوسهم إلى الوقت المناسب، وليس المقصود من هذا الخطاب هذه الموازنات، فذلك له موضع آخر 0

ولنأت إلى الأمر من وجته العملية 0

لقد عاشرتنا هذه القوانين خمسين عاما ونيفا، فماذا أفادت الأمة إلا كثرة الجرائم وتزايدها عاما بعد عام، ويوم بعد يوم، وانتشار الموبقات وارتكاب الجنايات؟ ذلك أنها لا تتفق مع طبيعتنا، ولا تصلح فى بيئتنا، ولا تجدى فى علاج أدوائنا، ولا دليل أصدق من الواقع المشاهد. وذلك فى الوقت الذى ترى فيه البلاد الإسلامية التى أخذت بشىء من تشريع الإسلام قد استتب فيها الأمن، وتوطدت السلطة وعمت السكينة، وساد احترام القانون، واطمأن الناس على الدماء والأموال والأعراض. فهلا تريد مصر أن تصل إلى هذه النتيجة المرضية برجوعها إلى تعاليم الإسلام وشرائع الإسلام؟

يا سيدى (الباشا) :

الأمر واضح لا يحتاج إلى بيان، وبقيت بعض شبهات يتعلق بها الذين يقفون فى طريق الإصلاح بحسن قصد أو سوء قصد، نحب أن نناقشها فى إيجاز وأنا معتقد أن معاليكم أعرف الناس بأن هذه الشبهة أو هى من أن تقف فى سبيل إصلاح ما 0

يقول هؤلاء المرتابون :

أولاً : إن فى مصر عناصر غير إسلامية إن حكمت بأحكام الإسلام كان ذلك متنافيا مع حرية الدين التى كفلها الدستور للمواطنين، وإن حكمت بغير أحكام الإسلام كان ذلك نوعا من الامتياز البغيض الذى حمدنا الله على التخلص منه وإزاحة كابوسه عن الصدور. هذه الشبهة مردودة بجزءيها، فإنهم إن عوملوا بتعاليم الإسلام لم يكن فى ذلك اصطدام بحرية الدين، فإن الحرية المكفولة هى حرية العقيدة وحرية العبادة والشعائر وحرية الأحوال الشخصية، أما الشئون الاجتماعية فهى حق الأمة ومظهر سيادتها، فهم فيها تبع للأكثرية فإذا ارتضت أكثر الأمة قانونا فى هذه الشئون الاجتماعية بصرف النظر عن مصدره فهو قانون للجميع، إذ أن محاربة الجريمة من حق الدولة، بدليل أن الأمم الأوربية وهى التى تفخر باحترامها للحرية والحقوق الشخصية، وتزهى بأنها أقرت الديمقراطية، ونادت بحقوق الإنسان مع هذا هى تعامل كل نزلائها وأقلياتها بحكم القوانين الموضوعة المرضية عندها بصرف النظر عن أديانهم وعقائدهم، فالإنسان فى فرنسا أو انجلترا أو ألمانيا أو نحوها، سواء أكان نزيلا لا يتمتع بجنسيته الخاصة أو مواطنا يخالف الأكثرية فى الدين، يحاكم بمقتضى قانون البلاد الموضوع دون نظر إلى قانون بلده أو تشريع دينه. وغير ذلك لا تتحقق سيادة الأمة ولا يتحقق استقلالها الداخلى. هذا إن عوملوا بأحكام الإسلام وبشريعته0

إن عوملوا بحسب شرائعهم مع الاحتفاظ بحقوق الدولة كاملة معهم فليس فى ذلك امتياز يخيف، فإن المساواة فى الأحوال الشخصية بين المسلم وغير المسلم مفقودة إلا إذا رضى غيره بذلك. ولا يقال إن إقرارنا لهؤلاء المخالفين على أحكام دينهم فى أحوالهم الشخصية امتياز ممنوح لهم يفضلون به غيرهم، بل هو أمر خاص بهم، وأما الامتياز المؤلم فهو أن تضيع حقوق أبناء الوطن فى سبيل الأجانب وغير المسلمين بحكم الضعف والاستكانة والذلة والمهانة0

والإسلام الفسيح الذى لا يحتم علينا أى الطريقين فنحن نختار. والأولى إلينا أحب وبحالنا أوجب، ولأمر ما قال الله تابرك وتعالى فى صدر آيات الحكم بتنززيله: (فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنا قليلا)([11])0

على أننا نعرف كثيرا من أفاضل رجال القانون من مواطنينا المسيحين جهروا كثيرا بأنهم يودون لو عوملوا بأحكام الشريعة الإسلامية فى كل شىء0

ثانياً: ويقولون كذلك إن كثيرا من هذه التشريعاتن لا يمكن تطبيقه عمليا، ولنأخذ مثلا (الربا) فهل نستطيع إبطاله من محاكمنا وقانوننا ونحن مرتبطون بالنظام الاقتصادى الدولى العام. والشبهة مردودة كذلك بما نشاهد من أحوال الدول القوية العزائم التى وضعت لنفسها نظما اقتصادية خاصة فرضتها على أممها وأجبرت العالم على احترامها، وكان العامل الأكبر فى ذلك صدق عزيمة حكوماتها وحسن استعداد شعوبها، فلا عقبة أمامنا فى مثل هذا إلا الوهن، وتجسيم الأمور والخوف الذى لا مبرر له. ونحن والحمد لله أمة غنية بمواردها، وكل الموارد الحيوية الضرورية موفورة لدينا ونستطيع الاستغناء إلى حد كبير عن غيرنا مع حفظ كياننا الاقتصادى لو صحت عزائمنا- ماذا فعلت إيطاليا حين وقفت أمامها بالمرصاد اثنتان وخمسون دولة فيها الدول العظمى وفرضت عليها العقوبات وحصرتها داخل ديارها؟ ألم ترغم هذه الدول على احترام مشيئتها وتقدير عزيمتها، وتنفذ قرارها بدون سيف أو نار، ولكن بغيرة الشعب وعزيمة الحاكمين. وماذا فعلت الدول لهتلر حينما أصدر أمره بعدم خروج النقد من ألمانيا بتاتا؟ هل وقف دولاب التجارة فى ألمانيا أم احترمت الشعوب الأخرى هذه الإرادة وعاملت ألمانيا على أساس المبادلة التجارية ([12])0

لا يقال إن هاتين الدولتين قويتان ونحن ضعفاء، فليس الكلام فى حشد الجيوش وتجهيز المعدات، ولكن نتكلم فى البيع والشراء والأخذ والعطاء، وكل شعب مهما ضعف حر فى ذلك كله إن حددت وجهته، واستبانت غايته وقويت عزيمته0

إن الشعوب الأخرى يهمها أن تكون معها شرفاء فى المعاملة. ونحن نلاحظ أن كثيرا من المصارف والدائنين يرضونن بالتسويات وفيها نزول عن شىء من الحق الأساسى فى سبيل الحصول على الحق نفسه، فإذا منع القانون التعامل بالربا وتشدد فى استيفاء الحقوق كان فى ذلك الضمان الكافى للممولين الآخرين، ورضوا به واطمأنوا إليه، وعاملونا على غير أساس الربا المحرم شرعا فى كل كتاب0

ولماذا لا تكون مصر السابقة بإنقاذ العالم (من نظام الربا البغيض) ولماذا لا تبشر حكومة مصر بهذا المبدأ السامى الإنسانى الرحيم، ولماذا لا نرفع راية الدعوة إلى تحرير الإنسانية من رق الربا وإقناع الشعوب بوجاهة هذه الفكرة كما رفعت بعض الدول الأروبية راية الدعوة إلى تحرير الإنسان من رق العبودية وأقنعت الشعوب بوجاهة نظرتها وكسبت فخر هذا الدفاع؟

ولم الخوف وفيم اليأس؟ هل نعجز عن أن نقدم للإنسانية خدمة جليلة ونحن الذين أنقذناها فى كثير من المواقف، وأشعلنا بين كثير من أممها شعلة العرفان والنور؟ ليس هذا من الشعر ولا من الخيال (يا باشا) ولكنها حقائق سيتنبه لها العالم، ونريد أن يكون لنا شرف السبق بهذا التنبيه0

ولماذا لا تكون هذه الخطوة (يا باشا) سبلينا إلى الحرية الاقتصادية، وطريقنا إلى تعويد هذا الشعب الذى طال به عهد الاعتماد على الغير أن يعتمد على نفسه وعلى موارده، وأن يستغنى فى كثير من شئونه عن الناس؟ وهل هناك فرصة أثمن من هذه؟ وهل هناك عامل يساق به هذا الشعب المتمسك بدينه أقوى من الدين؟ وهل هناك إنقاذ لهذا الشعب الفقير أعظم من إنقاذه من اللصوص السرقة القساة من المرابين؟

هذا مثل أحببت أن أتقدم به لدحض هذه الشبهة: شبهة صعوبة تطبيق الشريعة الإسلامية، وأخرت لذلك أعقد المسائل وألصقها ,امسها بحياة الناس حتى لا يكون هناك قول لقائل، ولا حجة لمعتذر0

ثالثاً : ويقولون إننا حين نطبق هذه الشرائع الإسلامية فى قطع يد السابق ([13]) ورجم الزانى وما إلى ذلك ترجع بالأمة إلى عهد الهمجية، ونفوت عليها فرصة الانتفاع بما بلغت من رقى ومدنية، ونسلكها فى نظام الأمم المتأخرة المتبربرة0


[1] سورة الأحزاب : 56


[2] سورة الذاريات : 56


[3] سورة الأنعام : 162


[4] سورة الأحزاب : 21


[5] سورة آل عمران : 144


[6] سورة البقرة : 138


[7] سورة الممتحنة : 4


[8] سورة النساء : آية 65


[9] سورة المائدة : آية 49، 50


[10] سورة النساء آية : 105


[11] سورة المائدة : 44


[12] كان ذلك قبل نشوب الحرب العالمية الثانية سنة 1939م


[13] إن القوانين الوضعية لا تستقصى حالة السارق وقت السرقة، ولا تستقصى أثر الحكم فيه وفى أهله وولده، بل تعاقبه مطلقا، جاهلا أم عالما، فقيرا أم غنيا، بل ربما كان علمه وغناه من أسباب تخفيف العقوبة عليه لا من أسباب تغليط العقاب. والأمر ليس كذلك فى دين الله 0

إن الله عز وجل أراد ان تنشأ العفة من داخل النفس أولا، فينصرف الإنسان عن المعاصى وهو فى خلوته لا يطلع عليه أحد من الناس، ويشعر بأن ربه معه أينما كان، مطلع على أعماله، لا تخفى عليه منه خافية: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هور رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة، إن الله بكل شىء عليم)0

وقد ذكر الله تعالى عقاب السرقة مرة واحدة، ولكنه كرر النهى عن أكل أموال الناس بالباطل، وصوره فى صورة مؤثرة ترد من تحدثه نفسه بأن يمد يده إلى مال غيره، دون حاجة إلى التخويف بالعقاب الدنيوى: ((إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون فى بطونهم ناراً، وسيصلون سعيرا)، (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وانتم تعلمون). وفى الحديث عن الرسول عليه السلام: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام ))

تأمل قول الله تعالى : (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين نو له ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيرا ) 0

تأمل : (من بعد ما تبين له الهدى) أعنى أنه يجب أن تبلغ الدعوة إلى السارق، ويتهذب بالتهذيب القرآنى، ويعرف ماله وما عليه. مما يتعين معه القول بأن التعليم فى الإسلام إجبارى، وواجب على الفرد، وحق له فى الوقت نفسه.

فإحياء روح الإنسان وضميره، وتزكية نفسه، وتطهير قلبه واجب أول فى الإسلام، عليه أكثر المعول فى أن يسلك الإنسان سلوكا حسنا فى الجماعة التى يعيش فيها. وإذا كنا ندرك أثر التعليم العادى فى نفوس الناس، فما بالنا بتعليم القرآن الذى هو أساس لكل الفضائل0

ولكن لا يكفى أن تهذب الشخص، وتطهر قلبه، وتزكى نفسه، وتحي ضميره لكى يكون إنساناً فاضلاً، فإن حاجاتته الضرورية التى بها وقاية نفسه تغلبه على الفضائل أحيانا، لذلك قضى أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين بأن يوجد فى الدين من التنظيم ما تندفع به حاجة الإنسان إلى السرقة. وبمعنى آخر لابد من أن نتأكد قبل أن نعاقب إنسانا أن عذره فى ارتكاب جنايته قد سقط، وأنه لم يرتكبها إلا بغيا وعدوانا. وحاجات الإنسان الضرورية هى :

1- بيت يسكنه يواريه عن أعين الناس، ويجعله فى أمن العادين والباغين0

2- طعام يحفظ به نفسه0

3- ملبس للصيف والشتاء0

وأقول : إن الآيات والأحاديث التى أخذ منها الفقهاء النص على هذه الأشياء الثلاثة تستوجب القول بأنه يجب أن يكون مضمونا لكل إنسان العلاج المجانى من الأمراض متى لم يكن قادرا عليه0

هذه الضرورات لا يحصل عليها امرؤ بالاستجداء، بل لابد من العمل، ودينه يحضه على ذلك: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله)0

وقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://anas-omar.ahlamontada.com
أسد الغفران
المدير العام
المدير العام
أسد الغفران


الجنس : ذكر
الأبراج : العذراء
عدد المشاركات : 903
التقيم : 211104
الشكر : 59701
تاريخ الميلاد : 01/09/1994
العمـــر : 29

مواقف في الدعوة والتربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مواقف في الدعوة والتربية   مواقف في الدعوة والتربية Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 9:47 pm



[b]وهذا كلام لا يساوى سماعه ولا يستحق أن يرد عليه، وإنما أملاه على هؤلاء الناس تحللهم من عقدة النظم الاجتماعية وعكوفهم على الإباحية فى كل شىء واعتداؤهم على ما ليس لهم من أعراض وأموال، وتخوفهم من أن يكونوا الضحايا الأولى لتطبيق هذه النظم الحازمة، وما كانت الجريمة فى يوم من الأيام مظهر المدنية ولا الرقى ولا كان القانون الذى يستأصل الجريمة ويقضى عليها مهما كان من شدته قاسيا ولا رجعيا، ولكنه عين التقدم ومظهر الارتقاء الصحيح. وهى إحن قديمة، وأفكار بالية عتيقة، آن لها أن تنقرض وآن للمصلحين ألا يعيروها شيئا من الاهتمام بعد أن رأينا أن الفكرة العامة للتشريع أصبحت متجهة إلى أخذ المجرمين بالحزم واستبدال السبل الرادعة والأحكام الزاجرة بمظاهر الرخاوة القانونية التى ساعدت على انتشار الجرائم فى الأمم، وجعلت القوانين تكاد تكون عديمة الفائدة فى تهذيب الناس، وأضاعت على الشعوب كثيرا من الأموال والجهود فى المحاكم والسجون والشرط والموظفين والقضائيين بغير طائل0


نحن نريد النتائج العملية ولا عبرة بزخرف وتزويق العبارات :

ويقولون إن ذلك غير ممكن عملا فإن رجال الشريعة الإسلامية لا يحسنون التنسيق الواجب ورجال القانون لا يلمون بالشريعة الإسلامية الإلمام الكامل، ومتى كان الأمر كذلك فمن يتولى إخراج القانون الإسلامى الجديد للناس فى صورة منسقة وصياغة قانونية تامة؟ وتلك شبهة واهية كذلك، والتعليق على هذه الصعوبة من أهون المسائل، والدعوى غير صحيحة على إطلاقها، فإن من رجال الشريعة الإسلامية من يحسن التنسيق القانونى إلى حد كبير، ومن هؤلاء الأستاذ الشيخ أحمد إبراهيم (بك) وكيل كلية الحقوق. وإن من رجال القانون من درس كثيرا منن مسائل الشريعة دراسة تامة عميقة، ومن هؤلاء الأستاذ السنهورى. ونسوق ذلك على سبيل المثال، وإلا فىففى رجالنا والحمد لله خير كثير، وقد اضطلع الأستاذ السنهورى وحده بكثير من هذا العبء يوم دعى لتنسيق القانون فى العراق فأحسن وأجاد 0

وأخيرا : يرجف هؤلاء القائلون فكرة مادية بحتة تدور حول المصالح الشخصية فيقولون إنكم بهذا تعطلون هذا الجيش من رجال المحاكم الأهلية قضاة ومحامين ومستشارين محترمين، وتتعصبون لرجال المحكمة الشرعية على اختلاف أعمالهم، فتعطون قوما أكثر مما يستطيعون أن يقوموا به وتحرمون الآخرين من كل شىء. ذلك إلى أنكم ترون أن المحاكم الأهلية أدق نظاما وأعظم فى الإجراءات إحكاما من سابقتها، فكيف تريدون أن تحملوا المنظم الدقيق على ما هو أقل منه فى ذلك؟ وهذه مغالطة مكشوفة فليس العلم وقفا على قوم دون آخرين، وفى وسع القاضى الأهلى والمحامى أن يدرس أحكام الشرع الإسلامى فى بضعة شهور. والنظام فى المحاكم لا يتقيد بنصوص مواد القانون، وإنما يرجع إلى أسباب أخرى كلها تزول إذا صحت العزائم. على أننا لا نريد بهذا الإصلاح تعصبا لناحية بل نريد أن يزول هذا التفريق كله ونقضى على هذا الانقسام فى حياة أمة تسير إلى الوحدة، ولا قوة لها إلا بالوحدة، فلا محاكم أهلية ولا محاكم شرعية، ولكن محكمة واحد إسلامية على أدق النظم وأحكم الإجراءات، عماد قانونها شريعة الله وحكم الإسلام 0

هذه هى بعض الشبهات التى تقال وقد رأيتم (معاليكم) أنها مردودة بالحجة مدفوعة بالبرهان، وذلك شأن كل شبهة يمليها ويراد بها الصد عن الحقائق0

لم يبق بعد ذلك عذر (يا باشا) ولهذا يتوجه الإخوان المسلمون إليكم بالرجاء معتقدين أنهم فى ذلك إنما يمثلون الأمة الإسلامية جميعا بهذه الطلبين :

أولاً : أن تسلموا معهم بمبدأ (وجوب العودة إلى التشريع الإسلامى، وتوحيد المحكمة المصرية على أساسه من الآن ) 0

ثانياً : أن تأمروا بإعادة تشكيل لجنة تعديل القوانين الحالية التى يرأسها الأستاذ كامل (بك) صدقى تشكيلا جديدا يحقق هذه الغاية بأن تسند رياستها إلى معاليكم رأسا إلى فضيلة شيخ الأزهر أو المفتى الأكبر، وأن تضم بين أعضائها أكبر عدد ممكن من رجالنا البارزين فى الشريعة الإسلامية من رجال القضاء الشرعى والأزهر الشريف، وفى القانون الوضعى بفروعه المختلفة، ولا بأس بأن يكون من بينهم الأستاذ كامل صدقى (بك)0

يا (معالى الباشا) إننا أمة مسلمة وقد وطدنا العزم على ألا نحكم بغير قانون الله وشريعة القرآن الكريم وتعاليم محمد صلى الله عليه وسلم مهما كلفنا ذلك من ثمن، ومهما بذلنا من تضحيات، وذلك أبسط حقوقنا كأمة لا تعدل باستقلالها فى كل مظاهرة السياسية والاجتماعية شيئا، فأعينونا على الوصول إلى هذا الحق وارفعوا عنا هذا الحرج، ولا تلجثوا الأمة إلى سلوك سبيل المضطرين0

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 000

حسـن البنـا

حسن البنا 00 وأحفال الجاهلية


حفل زفاف نجل على ماهر باشا

أذكر أننا فوجئنا فى أحد الأيام بحضور فضيلة المرشد إلى الاسكندرية وقال : إنه جاء تلبية لدعوة على باشا ما هر لحضور حفل زفاف ابنه، وكلف فضيلته أحد الإخوان الذين رافقوه ليذهب إلى الحفل، فإذا لم يجد فيه أى مخالفة شرعية اتصل بالأستاذ تليفونيا حتى يحضر، وإذا وجد ما يسبب أى حرج قام هو بالواجب، وانتظر فضيلته فترة من الوقت فلما لم يتم الاتصال التليفونى قال : ألا يوجد أحد من إخواننا عنده أى مناسبة؟ قلت له : إن الأخ محمد خليل شرف الدين سيعقد قرانه الآن فى منزل أصهاره بشارع الميناء الشرقية.

فقال : هيا بنا، وكلفنى بشراء هدية وانتقلنا إلى المنزل وأدركنا الحفل، واستقبلنا استقبالا حاراً مفرحاً حيث كانت مفاجأة أضفت على الحفل أنساً وبهجة وسروراً ووقاراً 0

وتحدث الأستاذ حديثاً قصيراً خفيفاً وهنأ الأسرتين ودعا للعروسين0

حفل استقبال صدقى باشا

ومما يذكر، أنه حدث أن أعلن عن زيارة صدقى باشا لسيناء، واهتزت الإإدارة فى الاسماعيلية لذلك وأخذت فى الاستعداد لاستقبال رئيس الحكومة وحشد الناس له بمحطة السكة الحديد ليقابلوه 0

وأخذوا يفكرون فيمن يخطب له فى هذا الاستقبال، ودلهم أحد المهتمين إلى المدرس حسن البنا، فدعى إلى قسم الشرطة وقابلة طنطاوى بك مأمور الضبط إذ ذاك وطلبوا إليه أن يخطب لصدقى باشا ويحييه بمناسبة زيارته للإسماعيلية، فغضب لذلك جداً ورفض، فلما ألححوا عليه، قال لهم أنه على استعداد أن يقدم استقالته. ومما جاء فى كلامه قوله :

((إن العقد الذى بينى وبين وزارة المعارف لا يلزمنى بأكثر من أن أحسن عملى فى التربية والتعليم وليس فيه نص على الخطابة لرؤساء الحكومات ))0

حفل ضباط الجيش

ومما يذكر للإمام من مواقف بشأن أحفال الجاهلية أن وجه ضباط الجيش الدعوة إلى كبار رجال الدولة ورجال السلك الدبلوماسى للحفلة الساهرة التى يقيمها رئيس هيئة أركان حرب الجيش وضباط نادى القوات المسلحة بمناسبة تولى جلالة الملك سلطاته الدستورية مساء ذلك اليوم بثكنات القلعة وقد دعى فضيلة المرشد العام للإخوان إلى هذه الحفلة فاعتذر فضيلته عن الحضور واكتفى بإرسال البرقية التالية إلى سكرتير نادى الضباط:

حضرة المحترم سكرتير نادى الضباط بالزمالك بالقاهرة

أشكر لسعادة الفريق إبراهيم عطا الله باشا وحضرات أعضاء النادى دعوتهم الموجهة إلى لحضور الاحتفال بمناسبة تولى حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم سلطته الدستورية وأعتذر من عدم الحضور وكنت أتمنى أن يكون هذا الاحتفال بعرض عسكرى قوى يليق بحزم الضباط وشجاعة الجندى ويبث فى النفوس معانى الحماسة والإقدام لا بحفل غنائى ساهر 0

والله أسأل أن يغير ما بأنفسنا لتصلح أحوالنا وأن يجعل عهد جلالة الملك حفظه الله عهد سعادة وإقبال وحرية واستقلال آمين 0

حسن البنا

حسن البنا وإحياء السنة


كتب الإمام الشهيد فى مذكراته :

صلاة العيد فى الصحراء :

كنت أقوم فى رمضان بتدريس بعض الأحكام الإسلامية عقب صلاة الفجر فى المسجد العباسى وكانت أكثر ما تتعرض لأحكام الصيام والزكاة ورمضان وقبيل نهاية رمضان تناولنا أحكام صلاة العيد بالبيان، وجاء فى هذه الأحكام أن من السنة أن يصلى العيد فى ظاهر البلد وأن يخرج لها الناس رجالا ونساء يشهدن الخير وجماعة المسلمين، وإن الآئمة قد اتفقوا جميعاً على أفضلية صلاتها فى الصحراء ما عدا الإمام الشافعى الذى أفتى بأن صلاتها فى المسجد أفضل إذا كان فى البلد مسجد يتسع لأهلها جميعاً 0

وبينما نحن نقرر هذه الأحكام إذ اقترح أحد المستمعين أن نحي هذه السنة ونقوم بصلاة عيد الفطر فى الصحراء وبخاصة وليس بالإسماعيلية حينذاك إلا مساجد صغيرة لا تتسع لبعض أهل البلد فضلا عن كلهم، ومن حولها صحراء قد اتسعت لجنود الاحتلال، وتحمس السامعون جميعاً لهذا الاقتراح فلم أر بداً من موافقتهم عليه ولكن مراعاة لما أعلم من سرعة انقسام الآراء فى هذا البلد حول المسائل الدينية لشدة حساسيته فى هذه الناحية ولقرب عهده بالخلافات الماضية اشترطت ألا نخطو خطوة حتى نستشير العلماء ونتفق معهم على أسلوب التنفيذ، فإن وافقوا فذاك وإلا فإن اجتماع الآراء على خلاف الأولى أفضل من افتراقها وتشتيت الكلمة على ما هو أفضل0

وحاولت أن أخطو هذه الخطوة فإذا بى أفاجأ بحملة عنيفة من المتربصين بالدعوة واتهامات قاسية بأن هذه ابتداع بالدين وتعطيل للمساجد ومحاربة للإسلام وافتاء بالباطل، ومن ذا الذى يقول: إن الشارع أفضل من الجامع، ما سمعنا بهذا فى آبائنا الأولين، وانتشر الخبر بسرعة البرق وأصبح حديث الناس فى المقاهى والمساجد والمجتمعات العامة والخاصة وكانت حملة يا لها من حملة. وتصادف أننى كنت حينذاك معتكفاً العشر الأواخر من رمضان بالمسجد العباسى، فكان الناس يتقاطرون على عقب كل صلاة ويسألوننى عن هذه البدعة الجديدة وأنا استغرب هذه الحملة التى لا أساس لها، وأقرر حكم الدين بكل بساطة وبراءة وأطلع الناس على النصوص الفقهية فى هذا المعنى، وأتجنب الجدل والمراء وأوصى بجمع الكلمة والبعد عن الخصومة. ولكن الأمر كان قد خرج من يدى ويد العلماء وتحمس الجمهور للحق والسنة وأعلنوا اأن الصلاة ستكون ظاهر البلد، وأعدوا المصلى لذلك فعلا، وكنت لابد أن أحضر إلى القاهرة لأقضى العيد مع الأهل فيها. فحضرت ليلة العيد ورتب الناس أنفسهم وصلى بهم الشيخ محمد مدين إمام مسجد العرايشية. وكان سرور الناس وانشراحهم بهذا المظهر الإسلامى عظيماً، وحلت فى نفوسهم بركة السنة النبوية المطهرة. وعدت من إجازة العيد، ورأيت آثار هذا الارتياح بادية على كل وجه، وخمدت العاصفة المغرضة، وتقررت السنة المباركة واستمرت صلاة العيدين إلى الآن ظاهر البلد فى مهرجان إسلامى جميل0

نقاش فى بيت القاضى :

وفى إحدى ليالى رمضان زرت منزل فضيلة قاضى الاسماعيلية الشرعى واجتمع فى هذه الزيارة مأمور المركز والقاضى الأهلى وناظر المدرسة الابتدائية ومفتش المعارف ولفيف من الأدباء والفضلاء والمحامين والأعيان، وكانت جلسة سمر لطيف0

وطلب فضيلة القاضى الشاى فقدم إلينا فى أكواب من الفضة وجاء دورى فطلبت كوبا من زجاج فقط، فنظر إلى فضيلته مبتسماً، وقال أظنك لا تريد أن تشرب لأن الكوب من فضة فقلت: نعم وبخاصة ونحن فى بيت القاضى0

فقال إن المسألة خلافية، وفيها كلام طويل، ونحن لم نفعل كل شىء حتى نتشدد فى مثل هذا المعنى، فقلت يا مولانا إنها خلافية إلا فى الطعام والشراب فالحديث متفق عليه والنهى شديد والنبى صلى الله عليه وسلم يقول ((لا تشربوا فى آنية الذهب والفضة فإنما يجرجر فى بطنه نار جهنم)) ولا قياس مع النص ولا مناص فى الامتثال، وحبذا لو أمرت بأن نشرب جميعا فى أكواب من زجاج، وتدخل بعض الحاضرين فى الأمر وأرادوا أن يقولوا إن الأمر ما دام خلافياً فلا لزوم للانكار، وأراد القاضى الأهلى أن يدلى بدلوه فى الدلاء فقال للقاضى الشرعى: يا فضيلة القاضى ما دام هناك نص فالنص محترم، ولسنا ملزمين بالبحث عن الحكمة وإيقاف العمل بالنص حتى تظهر، فعلينا الامتثال أولاً، ثم إن عرفنا الحكمة فبها وإلا فذلك قصور منا والعمل على كل حال واجب، فانتهزتها فرصة وشكرت له وقلت له مشيراً إلى إصبعه، وما دمت قد حكمت فاخلع هذا الخاتم، فإنه من ذهب والنص يحرمه، فابتسم وقال يا أستاذ أنا أحكم بقوانين نابليون وفضيلة القاضى يحكم بالكتاب والسنة وكل منا ملزم بشريعته فدعنى وتمسك بقاضى الشريعة، فقلت إن الأمر إنما جاء للمسلمين عامة وأنت واحد منهم فهو يتجه إليك بهذا الاعتبار، فخلع خاتمه، وكانت جلسة ممتعة حقا وكان لهذا صداها بعد ذلك فى جمهور يرى مثل هذا الموقف العادى أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر ونصيحة فى ذات الله0





حسن البنا 00 والتصوف


00 وكتب الإمام البنا فى مذكراته :

ولعل من المفيد أن أسجل فى هذه المذكرات بعض خواطر حول التصوف والطرق فى تاريخ الدعوة الإسلامية تتناول نشأة التصوف وأثره وما صار إليه وكيف تكون هذه الطرق نافعة للمجتمع الإسلامى. وسوف لا أحاول الاستقصاء العلمى او التعمق فى المعانى الاصطلاحية فإنما هى مذكرات تكتب عفو الخاطر فتسجل ما يتردد فى الذهن وما تتحرك به المشاعر فإن تكن صوابا فمن الله ولله الحمد، وإن تكن غير ذلك فالخير أردت ولله الأمر من قبل ومن بعد 0

حين اتسع عمران الدولة الإسلامية صدر القرن الأول، وكثرت فتوحها وأقبلت الدنيا على المسلمين من كان مكان، وحبيت إليهم ثمرات كل شىء، وكان خليفتهم بعد ذلك يقول للسحابة فى كبد السماء: شرقى أو غربى فحيثما وقع قطرك جاءنى خراجه. وكان طبيعيا أن يقبلوا على هذه الدنيا يتمتعون بنعيمها ويتذوقون حلاوتها وخيراتها فى اقتصاد أحيانا وفى إسراف أحيانا أخرى، وكان طبيعيا أمام هذا التحول الاجتماعى، من تقشف عصر النبوة الزاهر إلى لين الحياة ونضارتها فيما بعد ذلك، أن يقوم من الصالحين الاتقياء العلماء الفضلاء دعاة مؤثرون يزهدون الناس فى متاع هذه الحياة الزائل، ويذكرونهم بما قد ينسونه من متاع الآخرة الباقى: ((وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون ولو كانوا يعلمون))() ومن أول هؤلاء الذين عرفت عنهم هذه الدعوة الإمام الواعظ الجليل- الحسن البصرى، وتبعه على ذلك كثير من أضرابه الدعاة الصالحين، فكانت طائفة فى الناس معروفة بهذه الدعوة إلى ذكر الله واليوم الآخر. والزهادة فى الدنيا، وتربية النفوس على طاعة الله وتقواه 0

وطرأ على هذه الحقائق ما طرأ على غيرها من حقائق المعارف الإسلامية، فاخذت صورة العلم الذى ينظم سلوك الإنسان ويرسم له طريقا من الحياة خاصا : مراحله الذكر والعبادة ومعرفة الله، ونهايته الوصول إلى الجنة ومرضاة الله0

وهذا القسم من علوم التصوف، وأسميه ((علوم التربية والسلوك))، لاشك أنه من لب الإسلام وصميمه، ولا شك أن الصوفية قد بلغوا به مرتبة من علاج النفوس ودوائها، والطب لها والرقى بها، لم يبلغ إليها غيرهم من المربين، ولاشك أنهم حملوا الناس بهذا الأسلوب على خطة عملية من حيث أداء فرائض الله واجتناب نواهيه، وصدق التوجيه إليه، وإن كان ذلك لم يخل من المبالغة فى كثير من الأحيان تأثرا بروح العصور التى عاشت فيها هذه الدعوات: كالمبالغة فى الصمت والجوع والسهر والعزلة.. ولذلك كله أصل فى الدين يرد إليه، فالصمت أصلة الإعراض عن اللغو، والجوع أصله التطوع بالصوم والسهر أصله قيام الليل، والعزلة أصلها كف الأذى عن النفس ووجوب العناية بها 00 ولو وقف التطبيق العملى عند هذه الحدود التى رسمها الشارع لكان فى ذلك كل الخير0

ولكن فكرة الدعوة الصوفية لم تقف عند حد علم السلوك والتربية، ولو وقفت عند هذا الحد لكان خيرا لها وللناس، ولكنها جاوزت ذلك بعد العصور الأولى إلى تحليل الأذواق والمواجد، ومزج ذلك بعلوم الفلسفة والمنطق ومواريث الأمم الماضية وأفكارها، فخلطت بذلك الدين بما ليس منه، وفتحت الثغرات الواسعة لكل زنديق أو ملحد أو فاسد الرأى والعقيدة ليدخل من هذا الباب باسم التصوف والدعوة إلى الزهد والتقشف، والرغبة فى الحصول على هذه النتائج الروحية الباهرة. وأصبح كل ما يكتب أو يقال فى هذه الناحية يجب أن يكون محل نظر دقيق من الناظرين فى دين الله والحريصين على صفائه ونقائه 0

وجاء بعد ذلك دور التشكل العملى للفكرة فنشأت فرق الصوفية وطوائفهم كل على حسب أسلوبه فى التربية. وتدخلت السياسة بعد ذلك للتتخذ من هذه التشكيلات تكأة عند اللزوم، ونظمت أحيانا على هيئة النظم العسكرية وأخرى على هيئة الجمعيات الخاصة 00 حتى انتهت إلى ما انتهت إليه اليوم من هذه الصورة الأثرية التى جمعت بقية ألوان هذا التاريخ الطويل، والتى يمثلها الآن فى مصر مشيخة الطرق الصوفية ورجالها وأتباعها0

ولاشك أن التصوف والطرق كانت من أكبر العوامل فى نشر الإسلام فى كثير من البلدان وإيصاله إلى جهات نائبة ما كان ليصل إليها إلا على يد هؤلاء الدعاة، كما حدث ويحدث فى بلدان إفريقيا وصحاريها ووسطها، وفى كثير من جهات آسيا كذلك 0

ولاشك أن الأخذ بقواعد التصوف فى ناحية التربية والسلوك له الأثر القوى فى النفوس والقلوب، ولكلام الصوفية فى هذا الباب صولة ليست لكلام غيرهم من الناس000 ولكن هذا أفسد كثيرا من هذه الفوائد وقضى عليها0

ومن واجب المصلحين أن يطيلوا التفكير فى إصلاح هذه الطوائف من الناس، وإصلاحهم سهل ميسور، وعندهم الاستعداد الكامل له، ولعلهم أقرب الناس إليه لو وجهوا نحوه توجيها صحيحا، وذلك لا يستلزم أكثر من أن يتفرغ نفر من العلماء الصالحين العاملين، والوعاظ الصادقين المخلصين لدراسة هذه المجتمعات، والإفادة من هذه الثروة العلمية، وتخليصها مما علق بها، وقيادة هذه الجماهير بعد ذلك قيادة صالحة 0

وأذكر أن السيد توفيق البكرى رحمه الله فكر فى ذلك، وقد عمل دراسات علمية عملية لشيوخ الطرق وألف لهم فعلا كتابا فى هذا الباب، ولكن المشروع لم يتم ولم يهتم به من بعد الشيوخ، وأذكر من ذلك أن الشيخ عبد الله عفيفى رحمه الله كان معنيا بهذه الناحية وكان يطيل الحديث فيها مع شيوخ الأزهر وعلماء الدين، ولكنه كان مجرد تفكير نظرى لا أثر للتوجه إلى العمل فيه. ولو أراد الله والتقت قوة الأزهر بقوة الطرق الروحية بقوة الجماعات الإسلامية العملية، لكانت أمة لا نظير لها: توجه ولا تتوجه، وتقود ولا تنقاد، وتؤثر فى غيرها ولا يؤثر شىء فيها، وترشد هذا المجتمع الضال إلى سواء السبيل.)000 أ.هـ

ومما يذكر لحسن البنا من مواقف فى شأن ((الدروشة))00

فى القوصية فى إحدى جولات الدعوة دعا وجيه هذه البلدة (أحمد باشا جاد الرب) الإمام البنا وإخوانه إلى طعام العشاء 0

وما أن انتهى الإمام من إلقاء خطابه، وبدأ ينصرف وسار فى الطريق الخارجى ومن ورائه الكثير من الإخوان .. وهنا وقف فضيلته وقال : يا حسن، نحن لسنا ((بتوع فتة)) ولا يمكن أن نذهب إلى منزل أحمد باشا هكذا، ثلاثة فقط يذهبون معنا 0

ونظرا إلى مجموع من كان يتبعه من الإخوان وقال: إخوان منفلوط يسافروا، إخوان أسيوط يذهبوا كذا، إخوان كذا، وهكذا وزع كل من حوله، ومضى معه ثلاثة فقط !

وهناك على المائدة، كعادته دائما لا يأكل إلا القليل، ثم يدخل إلى مكان نومه ليكتب فى مذكراته خلاصة أعمال يومه 0

وبناء على هذا الموقف وغيره من المواقف يأتى قول الإمام البنا الحاسم فى رسالته ((إلى الشباب يخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين ((دراويش)) قد حصروا أنفسهم فى دائرة ضيقة من العبادات الإسلامية كل همهم صلاة وصوم، وذكر وتسبيح، فالإخوان المسلمون لم يعرفوا الإسلام بهذه الصورة، ولم يؤمنوا به على هذا النحو، ولكنهم آمنوا به عقيدة وعبادة، ووطنا وجنسية، وخلقا ومادة، وثقافة وقانونا، وسماحة وقوة، اعتقدوه نظاما شاملا يفرض نفسه على كل مظاهر الحياة، ينظم أمر الدنيا كما ينظم الآخرة: اعتقدوه نظاما عمليا وروحيا معا، فهو عندهم دين ودولة، ومصحف وسيف، وهم مع هذا لا يهملون أمر عبادتهم، ولا يقصرون فى أداء فرائضهم لربهم، يحاولون إحسان الصلاة، ويتلون كتاب الله ويذكرون الله تبارك وتعالى على النحو الذى أمر به، وفى الحدود التى وضعها لهم، فى غير غلو ولا سرف، فلا تنطع ولا تعمق، وهم أعرف بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى)) وهم مع هذا يأخذون من دنياهم بالنصيب الذى لا يضر بآخرتهم، ويعملون بقول الله تبارك وتعالى ((قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق)) وأن الإخوان المسلمين ليعلمون أن خير وصف لخير جماعة وهو وصف أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم: ((رهبان بالليل فرسان بالنهار))، وكذلك يحاولون أن يكونوا والله المستعان ويخطئ من يظن أن الإخوان المسلمين دعاة كسل أو إهمال، فالإخوان يعلنون فى كل أوقاتهم أن المسلم لا بد أن يكون إماما فى كل شىء ولا يرضون بغير القيادة، والعمل والجهاد، والسبق فى كل شىء: فى العلم وفى القوة وفى الصحة وفى المال. والتأخر فى أية ناحية من هذه النواحى ضار بفكرتنا مخالف لتعاليم ديننا، ونحن مع هذا ننكر على الناس هذه المادية الجارفة التى تجعلهم يريدون أن يعيشوا لأنفسهم فقط وأن ينصرفوا بمواهبهم وأوقاتهم وجهودهم إلى الأنانية الشخصية فلا يعمل أحدهم لغيره شيئا، ولا يعنى من أمر امته بشىء والنبى صلى الله عليه وسلم يقول : ((من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم)) كما يقول: ((إن الله كتب الإحسان على كل شىء))0
حسن البنا .. والسلفية


يرمى الإخوان المسلمين من بعض الجدليين بالزيغ فى عقيدتهم 000

وإن كانت دوافع هذا الافتراء معروفة 00 وإن كان الإخوان يكرهون الجدل والخصومة والمراء والتهاتر بالآراء، فإننا نضع بين أيدى الباحثين عن الحق فى قضايا الاعتقاد القول الفصل كما حدده إمامنا الشهيد فى رسالة العقائد عند كلامه فى آيات الصفات وأحاديثها 0000

ولكى يعلم هؤلاء الجدليون أن الإخوان سلفيون فى عقيدتهم يجسدونها للناس فى مواقف الأعمال وأعمال، لا ف مهاترات وأقوال 000000

يقول الإمام :

وردت فى القرآن الكريم آيات وفى السنة المطهرة أحاديث، توهم بظاهرها مشابهة الحق تبارك وتعالى لخلقه فى بعض صفاتهم، نورد بعضها على سبيل المثال، ثم نقفى بذكر ما ورد فيها من الأقوال، والله نسأل أن يوفقنا إلى بيان وجه الحق فى هذه المسألة، التى طال فيها جدل الناس ونقاشهم إلى هذا العصر، وأن يجنبنا الزلل ويلهمنا الصواب0000

وبعد أن أورد فضيلته نماذج من الآيات والأحاديث التى ورد فيها لفظ الوجه ولفظ العين واليد مضافا إلى الله تبارك وتعالى، وبعض الآيات التى يؤخذ منها الجهة إلى الله تعالى 000 قال :

انقسم الناس فى هذه المسألة إلى أربع فرق :

1- فرقة أخذت بظواهرها كما هى ، فنسبت إلى الله وجهاً كوجود الخلق، ويداً أو أيدياً كأيديهم، وضحكا كضحكهم، وهكذا حتى فرضوا الآله شيخاً، وبعضهم فرضه شاباً، وهؤلاء هم المجسمة والمشبهة، وليسوا من الإسلام فى شىء، وليس لقولهم نصيب من الصحة، ويكفى فى الرد عليهم، قول الله تعالى: (ليس كمثله شىء وهو السميع البصير (). وقوله تعالى : (قل هو الله أحمد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد)0

2- فرقة عطلت معانى هذه الألفاظ على أى وجه، يقصدون بذلك نفى مدلولاتها مطلقاً عن الله تبارك وتعالى، فالله تبارك وتعالى عندهم لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر؛ لأن ذلك لا يكون إلا بجارحة، والجوارح يجب أن تنفى عنه سبحانه؛ فبذلك يعطلون صفات الله تبارك وتعالى ويتظاهرون بتقديسه، وهؤلاءهم المعطلة، ويطلق عليهم بعض علماء تاريخ العقائد الإسلامية: الجهمية ولا أظن أن أحداً عنده مسكة من عقل يستسيغ هذا القول المتهافت! وها قد ثبت الكلام والسمع والبصر لبعض الخلائق بغير جارحة، فكيف يتوقف كلام الحق تبارك وتعالى على الجوارح؟! تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا 0

هذان رأيان باطلان لاحظ لهما من النظر، وبقى أمامنا رأيان هما محل أنظار العلماء فى العقائد، وهما رأى السلف ورأى الخلف 0

3- أما السلف رضوان الله عليهم فقالوا: نؤمن بهذه الآيات والأحاديث كما وردت، ونترك بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى، فهم يثبتون اليد والعين والأعين والاستواء والضحك والتعجب الخ وكل ذلك بمعان لا ندركها، ونترك لله تبارك الإحاطة بعلمها، ولاسيما وقد نهينا عن ذلك فى قول النبى صلى الله عليه وسلم: ((تفكروا فى خلق الله ولا تتفكروا فى الله فإنكم لن تقدروه قدره))0

قال العراقى : رواه أبو نعيم فى ((الحلية)) بإسناد ضعيف، ورواه الأصبهانى فى الترغيب والترهيب بإسناد أصح منه، ورواه أبو الشيخ كذلك مع قطعهم رضوان الله عليهم بانتفاء المشابهة بين الله وبين الخلق. وإليك أقوالهم فى ذلك :

( أ ) روى أبو قاسم اللالكائى فى (أصول السنة) عن محمد بن الحسن صاحب أبى حنيفة رضى الله عنهما قال : ((اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التى جاءت بها الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صفة الرب عن وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبى صلى الله عليه وسلم وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما فى الكتاب والسنة ثم سكتوا))0

(ب) وذكر الحلال فى كتاب (السنة) عن حنبل وذكره حنبل فى كتبه مثل كتاب ((السنة والمحنة)) قال حنبل: ((سألت أبا عبد الله عن الأحاديث التى تروى ((إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا)). و((إن الله يرى)) و((إن الله يضع قدمه)) وما أشبه هذه الأحاديث؟ فقال أبو عبد الله: نؤمن بها ونصدق ولا كيف ولا معنى ولا نرد منها شيئا، ونعلم أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم حق إذا كان بأسانيد صحاح، ولا نرد على الله قوله، ولا يوصف الله تبارك وتعالى بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية، ليس كمثله شىء))0

(ج) وروى حرملة بنى يحي قال : سمعت عبد الله بن وهب يقول: سمعت مالك بن أنس يقول: من وصف شيئا من ذات الله مثل قوله (وقالت اليهود يد الله مغلولة) فأشار بيده إلى عنقه، ومثل قوله (وهو السميع البصير) فأشار إلى عينه أو أذنه أو شىء من يديه، قطع ذلك منه؛ لأنه شبه الله بنفسه ثم قال مالك: أما سمعت قول البراء حين حدث أن النبى صلى الله عليه وسلم لا يضحى بأربع من الضحايا وأشار البراء بيده كما أشار النبى صلى الله عليه وسلم، قال البراء : ويدى أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره البراء أن يصف يد رسول الله صلى الله عليه وسلم إجلالا له وهو مخلوق، فكيف الخالق الذى ليس كمثله شىء؟!

( د) وروى أبو بكر الأثرم، وأبو عمرو الطلمنكى وأبو عبد الله بن أبى سلمة الماجشون كلاما طويلا فى هذا لمعنى ختمه بقوله: ((فما وصف الله من نفسه فسماه على لسان رسوله سميناه كما سماه، ولم نتكلف منه صفة ما سواه، لا هذا ولا هذا، لا نجحد ما وصف، ولا نتكلف معرفة ما لم يصف))0

((اعلم، رحمك الله، أن العصمة فى الدين أن تنتهى حيث انتهى بك، ولا تجاوز ما قد حد لك؛ فإن من قوام الدين معرفة المعروف، وإنكار المنكر، فما بسطت عليه المعرفة، وسكنت إليه الأفئدة، وذكر أصله فى الكتاب والسنة وتوارث علمه الأمة فلا تخافن فى ذكره وصفته من ربك ما وصف من نفسه عيناً، ولا تكلفن بما وصف من ذلك قدراً0 وما أنكرته نفسك، ولم تجد ذكره فى كتاب ربك، ولا فى الحديث عن نبيك من ذكر صفة ربك فلا تتكلفن علمه بعقلك، ولا تصفه بلسانك، واصمت كما صمت الرب عنه من نفسه، فإن تكلفك معرفة ما لم يصف به نفسه مثل إنكارك ما وصف منها، فكما أعظمت ما جحد الجاحدون مما وصف من نفسه، فكذلك أعظم تكلف ما وصف الواصفون مما لم يصف منها، فقدو الله عز المسلمون الذين يعرفون المعروف وبمعرفتهم يعرف، ينكرون المنكر وبإنكارهم ينكر، يسمعون ما وصف الله به نفسه من هذا فى كتابه، وما يبلغهم مثله عن نبيه، فما مرض من ذكر هذا وتسميته من الرب قلب مسلم، ولا تكلف صفة قدره، ولا تسمية غيره من الرب مؤمن، وما ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سماه من صفة ربه فهو بمنزلة ما سمى ووصف الرب تعالى من نفسه، والراسخون فى العلم، الواقفون حيث انتهى بهم علمهم، والواصفون لربهم بما وصف نفسه، التاركون لما ترك من ذكرها لا ينكرون صفة ما سمى منها جحداً، ولا يتكلفون وصفه بما لم يسم تعمقاً، لأن الحق ترك ما ترك وسمى ما سمى، ومن (يتبع غير سبيل المؤمنين نوله نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيرا (النساء. وهب الله لنا ولكم حكما، وألحقنا بالصالحين))0
مذهب الخلف فى آيات الصفات وأحاديثها


قدمت لك أن السلف، رضوان الله عليهم، يؤمنون بآيات الصفات وأحاديثها كما وردت، ويتركون بيان المقصود منها الله تبارك وتعالى، مع اعتقادهم بتنزيه الله تبارك وتعالى عن المشابهة لخلقه0

فأما الخلف فقد قالوا : إننا نقطع بأن معانى ألفاظ هذه الآيات والأحاديث لا يراد بها ظواهرها، وعلى ذلك فهى مجازات لا مانع من تأويلها، فأخذوا يؤولون ((الوجه)) بالذات و((اليد)) بالقدوة وما إلى ذلك، هرباً من شبهة التشبيه وإليك نماذج من أقوالهم فى ذلك 0

1- قال أبو الفرج بن الجوزى الحنبلى فى كتابه ((دفع التشبيه)) :

قال الله تعالى : (ويبقى وجه ربك) ([1]) قال المفسرون: يبقى ربك، وكذلك قالوا فى قوله تعالى: (يريدون وجهه) ([2]). أى يريدونه. وقال الضحاك وأبو عبيدة: (كل شىء هالك إلا وجهه)([3]) إلا هو 0

وعقد فى أول الكتاب فصلا ضافياً فى الرد على ما قالوا إن الأخذ بظاهر هذه الآيات والأحاديث هو مذهب السلف؛ وخلاصة ما قاله أن الأخذ بالظاهر هو تجسيم وتشبيه؛ لأن ظاهر اللفظ هو ما وضع له، فلا معنى لليد حقيقة إلا الجارحة، وهكذا. وأما مذهب السلف فليس أخذها على ظاهرها ولكن السكوت جملة عن البحث فيها. وأيضاً فقد ذهب إلى أن تسميتها آيات صفات وأحاديث صفات تسمية مبتدعة لم ترد فى كتاب ولا فى سنة، وليست حقيقةب فإنها إضافات ليس غير، واستدل على كلامه فى ذلك بأدلة كثيرة لا مجال لذكرها هنا0

2- وقال فخر الدين الرازى فى كتابه ((أساس التقديس)): واعلم أن نصوص القرآن لا يمكن إجراؤها على ظاهرها لوجوه: الأول أن ظاهر قوله تعالى : (ولتصنع على عينى)([4]) يقتضى أن يكون موسى عليه السلام مستقرا على تلك العين ملتصقاً بها مستعلياً عليها وذلك لا يقوله عاقل، والثانى أن قوله تعالى: (واصنع الفلك بأعيننا) ([5]) يقتضى أن يكون آلة تلك الصنعةن هى تلك العين، والثالث أن إثبات الأعين فى الوجه الواحد قبيح فثبت أنه لابد من المصير إلى التأويل، وذلك وهو أن تحمل هذه الألفاظ على شدة العناية والحراسة0

3- قال الإمام الغزالى فى الجزء الأول من كتابه ((إحياء علوم الدين)) عند كلامه على نسبة العلم الظاهر إلى الباطن وأقسام ما يتأتى فيه الظهور والبطون والتأويل وغير التأويل: القسم الثالث أن يكون الشىء بحيث لو ذكر صريحاً لفهم ولم يكن فيه ضرر، ولكن يكنى عنه على سبيل الاستعارة والرمز؛ ليكون وقعة فى قلب المستمع أغلب000 ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : ((إن المسجد لينزوى([6]) من النخامة كما تنزوى الجلدة على النار)). ومعناه أن روح المسجد وكونه معظماً، ورمى النخامة فيه تحقير له فيضاد معنى المسجد لا تنقبض من نخامة وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((أما يخشى الذى يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار))() وذك من حيث الصورة لم يكن قط ولا يكون، ولكن من حيث المعنى هو كائن إذ رأس الحمار لم يكن بحقيقته، وكونه وشكله بل بخاصيته، وهى البلادة والحمق. ومن رفع رأسه قبل الإمام فقد صار رأسه رأس الحمار فى البلادة والحمق، وهو المقصود دون الشكل. وإنما يعرف أن هذا السر على خلاف الظاهر إما بدليل عقلى أو شرعى. أما العقلى فأن يكون حمله على الظاهر غير ممكن، كقوله صلى الله عليه وسلم: ((قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن ()" إذ لو فتشنا عن قلوب المؤمنين لم نجد فيها أصابع، فعلم أنها كناية عن القدرة التى هى سر الأصابع وروحها الخفى، وكنى بالأصابع عن القدرة لأن ذلك أعظم وقعاً فى تفهم تمام الاقتدار " 0

وقد نعرض لمثل هذا الكلام فى موضع آخر، وفيما ذكرناه كفاية0

إلى هنا وضح أمامك طريقا السلف والخلف، وقد كان هذان الطريقان مثار خلاف شديد بين علماء الكلام من أئمة المسلمين، وأخذ كل يدعم مذهبه بالحجج والأدلة، ولو بحثت الأمر لعلمت أن مسافة الخلف بين الطريقين لا تحتمل شيئاً من هذا لو ترك أهل كل منهما التطرف والغلو، وأن البحث فى مثل هذا الشأن، مهما طال فيه القول، لا يؤدى فى النهاية إلا إلى نتيجة واحدة هى التفويض لله تبارك وتعالى، وذلك ما سنفصله لك إن شاء الله تعالى0

بين السلف والخلف :

قد علمت أن مذهب السلف فى الآيات والأحاديث التى تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى أن يمروها على ما جاءت عليه، ويسكتوا عن تفسيرها أو تأويلها؛ وأ، مذهب الخلف أن يؤولوها بما يتفق مع تنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهة خلقه. وعلمت أن الخلاف شديد بين أهل الرأيين حتى أدى بينهما إلى التنابز بالألقاب العصبية؛ وبيان ذلك من عدة أوجه :

أولاً : اتفق الفريقان على تنزيه الله تبارك وتعالى عن المشابهة لخلقه 0

ثانياً : كل منهما يقطع بأن المراد بألفاظ هذه النصوص فى حق الله تبارك وتعالى غير ظواهرها التى وضعت لها هذه الألفاظ فى حق المخلوقات، وذلك مترتب على اتفاقهما على نفى التشبيه 0

ثالثاً : كل من الفريقين يعلم أن الألفاظ توضع للتعبير عما يجول فى النفوس أو يقع تحت الحواس مما يتعلق بأصحاب اللغة وواضعيها، وأن اللغات، مهما اتسعت، لا تحيط بما ليس لأهلها بحقائقه علم، وحقائق ما يتعلق بذات الله تبارك وتعالى من هذا القبيل، فاللغة أقصر من أن تواتينا بالألفاظ التى تدل علىهذه الحقائق، فالتحكم فى تحديد المعانى بهذه الألفاظ تغرير 0

وإذا تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل، وانحصر الخلاف بينهما فى أن الخلف زادوا تحديد المعنى المراد حيثما ألجأتهم ضرورة التنزيه إلى ذلك حفظا لعقائد العوام من شبهة التشبيه، وهو خلاف لا يستحق ضجة ولا إعناتاً 0

ترجيح مذهب السلف :

ونحن نعتقد أن رأى السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعانى إلى الله تبارك وتعالى أسلم وأولى بالاتباع، حسما لمادة التأويل والتعطيل؛ فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان، وأثلج صدره ببرد اليقين فلا تعدل به بديلا ونعتقد إلى جانب هذا أن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر ولا فسوق، ولا تستدعى هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديماً أو حديثاً، وصدر الإسلام أوسع من هذا كله. وقد لجأ أشد الناس تمسكاً برأى السلف، رضوان الله عليهم، إلى التأويل فى عدة مواطن، وهو الإمام أحمد بن حنبل ضى الله عنه؛ من ذلك تأويله لحديث: ((الحجر الأسود يمين الله فى أرضه))([7]) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((قلب المؤمن من بين إصبعين من أصابع الرحمن([8]) وقوله صلى الله عليه وسلم : ((إنى لأجد نفس الرحمن من جانب اليمين ([9])" 0

وقد رأيت للإمام النووى رضى الله عنه ما يفيد قرب مسافة الخلاف بين الرأيين مما لا يدع مجالا للنزاع والجدال ولاسيما وقد قيد الخلف أنفسهم فى التأويل بجوازه عقلا وشرعاً بحيث لا يصطدم بأصل من أصول الدين0

قال الرازى فى كتابه ((أساس التقديس)): ((ثم إن جوزنا التأويل اشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم نجز التأويل فوضنا بها إلى الله تعالى، فهذا هو القانون الكلى المرجوع إليه فى جميع المتشابهات، وبالله التوفيق))0

وخلاصة هذا البحث أن السلف والخلف قد اتفقا على أن المراد غير الظاهر المتعارف بين الخلق، وهو تأويل فى الجملة، واتفقا كذلك على أن كل تأويل يصطدم الشرعية غير جائز، فانحصر الخلاف فى تأويل الألفاظ بما يجوز فى الشرع، وهو هين كما ترى، وأمر لجأ إليه بعض السلف أنفسهم، وأهم ما يجب أن تتوجه إليه همم المسلمين الآن توحيد الصفوف، وجمع الكلمة ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، والله حسبنا ونعم الوكيل0

حسن البنا 000 ورجال الفكر والثقافة



[1] سورة الرحمن : 27


[2] سورة الأنعام : 52


[3] سورة القصص : 88


[url=
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://anas-omar.ahlamontada.com
أسد الغفران
المدير العام
المدير العام
أسد الغفران


الجنس : ذكر
الأبراج : العذراء
عدد المشاركات : 903
التقيم : 211104
الشكر : 59701
تاريخ الميلاد : 01/09/1994
العمـــر : 29

مواقف في الدعوة والتربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مواقف في الدعوة والتربية   مواقف في الدعوة والتربية Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 9:49 pm



[b]حسن البنا 000 ورجال الفكر والثقافة


دعا الإخوان المسلمون بالاسكندرية إلى حفل شاى أقاموه فى نادى حديقة ((أنطونيادس)) لصفوة من رجال الفكر وأساتذة الجامعة بالاسكندرية، حضره الأستاذ عمر بهاء الدين الأميرى من قادة الإخوان بسوريا0

وحين جاء دور فضيلة المرشد فى الحديث، تحدث بأسلوب المنطقين الذى يقوم على المقدمات والنتائج، وهو أسلوب العلماء الذين يبحثون فى ظواهر الأشياء مستخدمين ((المنهج العلمى)) فى البحث بغية الوصول إلى القوانين التى تحكم هذه الظواهر.. تحدث فضيلته عن حركة التاريخ الإسلامى، وكيف انتقلت قيادة البشرية اليوم إلى الغرب، حيث الاختراع والآلة وسرعة المواصلات، واتفاق دول الغرب رغم اختلافهم فيما بينهم على تدمير أمة المسلمين وحضارتهم0

ثم أخذ فى عرض خصائص الإنسان الغربى وحضارته وانفلاته من القيم والمثل الانسانية العليا.. فالإنسان الغربى بتكوينه التاريخى مادى بطبيعته، وجاءت حضارته الحديثة لتؤصل فيه الروح المادية وتزيدها عمقا، نتيجة حتمية لصلته الشديدة بالآلة الصماء التى لا تروى ظمأ القلوب ولا تتجاوب مع الفطرة الإنسانية، فالإنسان فى الغرب يمضى أكثر حياته يتعامل مع الآلة حتى أصبح وكأنه آلة تتحرك وجدان ولا شعور 000

بدأ فضيلته الحديث عن حركة التاريخ الإسلامى، وكيف بدأ بقيام الدولة الإسلامية الأولى على قواعد النظام الاجتماعى القرآنى الفاضل، تؤمن به إيمانا عميقا وتطبقه دقيقا وتنشره فى العالمي، حتى كان الخلفة الأول رضى الله عنه يقول: ((لو ضاع منى عقال بعير لوجدته فى كتاب الله)) وحتى أنه ليقاتل ما نعى الزكاة ويعتبرهم مرتدين لهدمهم هذا الركن من أركان هذا النظام ويقول: ((والله لو منعونى عقالا كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم متى استمسك السيف بيدى)) وكانت الوحدة بكل معانيها، ومظاهرها تشمل هذه الأمة الناشئة. فالوحدة الاجتماعية شاملة بتعميم نظام القرآن ولغة القرآن، والوحدة السياسية شاملة فى ظل أمير المؤمنين وتحت لواء الخلافة فى العاصمة، ولم يحل دونها أن كانت الفكرة الإسلامية فكرة لا مركزية فى الجيوش، وفى بيوت المال، وفى تصرفات الولادة، إذ أن الجميع يصدرون عن عقيدة واحدة ويعملون بتوجيه عام متحد. ولقد طاردت هذه المبادئ القرآنية الوثنية المخرفة فى جزيرة العرب وبلاد الفرس فضت عليها، وطاردت اليهودية الماكرة فحصرتها فى نطاق ضيق وقضت على سلطانها الدينى والسياسى قضاء تاما، وصارعت المسيحية الصليبية حتى انحصر ظلها فى قارتى آسيا وأفريقيا وانحازت إلى أوربا فى ظل الدولة الرومانية الشرقية بالقسطنطينية وتركز بذلك السلطان الروحى والسياسى بالدولة الاسلامية فى القارتين العظيمتين وألحت على القارة الثالثة تهاجم القسطنطينية من الشرق وتحاصرها حتى يجهدها الحصار وتأتيها من الغرب وتقتحم الأندلس وتصل جيوشها المظفرة إلى قلب فرنسا وإلى شمال وجنوب إيطاليا وتقيم فى غرب أوربا دولة شامخة البنيان مشرقة بالعلم والعرفان، ويتم لها بعد ذلك فتح القسطنطينية نفسها وحصر- الصليبية فى هذا الجزء المحدود من قلب أوربا، وتمخر الأساطيل الإسلامية عباب البحرين الأبيض والأحمر فيصير كل منهما بحيرة إسلامية، وتقبض قوات الدولة الإسلامية بذلك على مفاتيح البحار فى الشرق والغرب وتتم لها السيادة البرية والبحرية وقد اتصلت هذه الأمم الإسلامية بغيرها من الأمم، ونقلت كثيرا من الحضارات ولكنها تغلبت بقوة إيمانها ومتانة نظامها عليها جميعا فعربتها أو كادت واستطاعت أن تصبغها وأن تحملها على لغتها ودينها بما فيها من روعة وحيوية وجمال، ولم يمنعها أن تأخذ النافع من هذه الحضارات جميعاً من غير أن يؤثر ذلك فى وحدتها الاجتماعية أو السياسية0

ومع هذه القوة البالغة والسلطان الواسع فإن عوامل التحلل قد أخذت تتسلل إلى كيان هذه الأمة القرآنية وتعظم وتنشر وتقوى شيئا فشيئا 000

وأخذت الأمة الإسلامية تنتقل من هزيمة إلى هزيمة ومن اندحار إلى اندحار ومن حفرة إلى حفرة بسبب الخلافات والانصراف السياسية والعصبية وتنازع الرياسة والجاه.. والخلافات الدينية والمذهبية والانصراف عن جوهر الدين0000، والانغماس فى ألوان الترف والنعيم00 وانتقال السلطة إلى من لم يتذوقوا طعم الإسلام الصحيح00 وإهمال العلوم العملية والمعارف الكونية .. والغرور بسلطانهم والانخداع بقوتهم وإهمال النظر فى التطور الاجتماعى للأمم من غيرهم والانخداع بدسائس المتملقين من خصومهم0

أخذت هذه العوامل تعمل فى كيان الدولة الإسلامية والأمة الإسلامية عملها وظنت الأمم الموتورة أن قد سنحت الفرصة لتأخذ بثأرها وتقضى على هذه الدولة الإسلامية التى فتحت بلادها من قبل وغيرت معالم أوضاعها فى كل شئون الحياة، فانحدر التتار كالسيل الدافق على الدولة الإسلامية وأخذوا يقطعون أشلاءها جزءا جزءا حتى وصلوا إلى بغداد عاصمة الخلافة العباسية ووطأوها بنعالهم فى شخص الخليفة المستعصم، وبذلك تبدد شمل الدولة وانتثر عقد الخلافة لأول مرة وتفرقت الأمة الإسلامية إلى دويلات صغيرة، فكل قبيلة فيها أمير للمؤمنين ومنبر، وتنبهت الصليبية فى أوربا وجمعت جموعها وقذفت الشرق المسلم فى آسيا وافريقيا بكتائبها فى تسع حملات صليبية اشتملت على خير ما فيها من فرسان وملوك وعتاد، وتمكنت هذه القوات الزاحفة من إقامة دولة صليبية فى بيت المقدس وتهديد أمم الإسلام فى الشرق والغرب، ومهاجمة مصر أقوى هذه الدول إذ ذاك0

ولكن الله تبارك وتعالى لم يأذن بعد للباطل أن ينتصر نعلى الحق فاستطاعت مصر أن تجمع حولها فلول بعض هذه الدويلات وتقذف بهم فى نحر الصليبيين بقيادة صلاح الدين فتستعيد منهم بيت المقدس وتريهم كيف تكون الهزيمة فى حطين، ثم تقف فى وجه اللتتار بقيادة الظاهر بيبرس وتردهم على أعقابهم خاسئين فى عين جالوت ثم تعيد رسم الخلافة من جديد، ويريد الله بعد ذلك أن تقوم للإسلام دولة وارفة الظلال قوية البأس شديدة المراس تجمع كلمة أهله وتضم تحت لوائها معظم أممة وشعوبه ويأبى لها علو الهمة إلا أن تغزوا الصليبية فى عقر دارها فتفتح القسطنطينية ويمتد سلطانها فى قلب أوربا حتى يصل إلى فيينا، تلك هى دولة الأتراك العثمانية0

واطمأنت الدولة الإسلامية تحت لواء العثمانيين إلى سلطانها واستنامت إليه وغفلت عن كل ما يدور حولها ولكن أوربا التى اتصلت بأضواء الإسلام غربا بالأندلس وشرقا بالحملات الصليبية لم تضع الفرصة ولم تغفل عن الاستفادة بهذه الدروس فأخذت تتقوى وتتجمع تحت لواء الفرنجة فى بلاد الغال، واستطاعت بعد ذلك أن تصد تيار الغزو الاسلامى الغربى وأن تبث الدسائس بين صفوف المسلمين بالأندلس وأن تضرب بعضهم ببعض إلى أن قذفت بهم أخيرا إلى ما وراء البحر أو إلى العدوة الإفريقية، فقامت مقامهم الدولة الأسبانيولية الفتية وما زالت تتقوى وتتجمع وتفكر وتتعلم وتجوب البلاد وتكشف الأقطار حتى كان كشف أميركا عملا من أعمال أسبانيا وكشف طريق الهند عملا من أعمال البرتغال، وتوالت صيحات الإصلاح ونبغ بها كثير من المصلحينن وأقبلت على العلم الكونى والمعرفة المنتجة المثمرة. وانتهت بها هذه الثورات الإصلاحية إلى تكوين القوميات وقيام دولة قوية جعلت هدفها جميعا أن تمزق هذه الدولة الإسلامية التى قاسمتها أوربا واستأثرت دونها بإفريقيا وآسيا وتحالفت هذه الدول الفتية على ذلك أحلافا رقت بها إلى درجة القداسة فى كثير من الأحيان0

وامتدت الأيدى الأوربية بحكم الكشف والضرب فى الأرض والرحلة إلى أقصى آفاقها البعيدة إلى كثير من بلدان الإسلام النائية كالهند وبعض الولايات الإسلامية المجاورة لها وأخذت تعمل فى جد للوصول إلى تمزيق دولة الإسلام القوية الواسعة وأخذت تضع لذلك المشروعات الكثيرة تعبر عنها أحياناً بالمسألة الشرقية وأخرى بإقتسام تركة الرجل المريض، وأخذت كل دولة تنتهز الفرصة السانحة وتنتحل الأسباب الواهية وتهاجم الدولة الوادعة اللاهية فتنقص بعض أطرافها أو تهد جانبا من كيانها، واستمرت هذه المهاجمة أمدا طويلاً انسلخ فيه عن الدولة العثمانية كثير من الأقطار الإسلامية، وقعت تحت السلطان الأوربى (كالمغرب الأقصى وشمال أوربا) واستقل فيه كثير من البلاد غير الإسلامية التى كانت تحت سلطان العثمانيين كاليونان ودول البلقان وكان الدور الختامى فى هذا الصراع الحرب العالمية الأولى سنة 1914-1918 ميلادية الذى انتهى بهزيمة تركيا وحلفائها وبذلك سنحت الفرصة الكاملة لأقوى شعوب أوربا (انجلترا وفرنسا) وإلى جوارهما (إيطاليا) فوضعت يدها على هذا الميراث الضخم من أمم الإسلام وشعبوه، وبسطت سلطانها عليها فى أسماء مختلفة من احتلال واستعمار ووصاية وانتداب0

ولقد خرجت الدول الأوربية من الحرب العالمية وبذور الحقد والبغضاء متأصلة فى صدور الكثير منها وجاء مؤتمر الصلح ومعاهداته لطمات قاسية لبعضها وخيبة أمل مؤلمة لكثير منها، هذا إلى ظهور كثير من الفكر الجديدة والمبادئ المتعصبة الشديدة التعصب، ولابد أن تنتهى هذه الحال بهذه الأمم إلى خلاف جديد وحرب طاحنة ضروس تبدد شملهم وتمزق وحدتهم وتعيدهم إلى رشدهم وتردهم عن ظلمهم، وتهب لأمم الإسلام فرصة أخرى تسوى فيها صفوفها وتجمع شملها وتستكمل حريتها وتسترد دولتها ووحدتها تحت لواء أمير المؤمنين: (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض وتجعلهم الوارثين)0

إن الأمم الأوربية التى اتصلت بالإسلام وشعوبه فى الشرق بالحروب الصليبية وفى الغرب بمجاورة عرب الأندلس ومخالطتهم لم تستفد من هذا الاتصال مجرد الشعور القوى أو التجمع والتوحد السياسى ولكنها أفادت ذلك يقظة ذهنية وعقلية كبيرة واكتسبت علوما ومعارف جمة وظهرت فيها نهضة أدبية وعلمية واسعة النطاق، وقامت الكنيسة تناهض هذه الظاهرة الغريبة بكل ما أوتيت من قوة، وتذيق رجالها من الأدباء والعلماء مر العذاب، فتعتدى عليهم محاكم التفتيش وتثير ضدهم الدول والشعوب، ولكن ذلك كله لم يجدها نفعا ولم تثبت تعاليمها أمام حقائق العلم وكشوفه، وخرجت النهضة العلمية منتصرة كل الانتصار وتنبهت الدولة بذلك فصارعت الكنيسة هى الأخرى حتى صرعتها وتخلص بذلك المجتمع الأأوربى تخلصا تاما من سلطانها وطارد رجالها إلى المعابد والأديرة وألزم الباب الإقامة فى الفاتيكان وحصر عمل رجال الدين فى نطاق ضيق من شئون الحياة لا يخرجون عنه ولا يتطلعون إلى سواه ولم تبق أوربا على المسيحية إلا كتراث تاريخى، وعامل من عوامل تهذيب البسطاء والأغرار من دهماء الشعوب، ووسيلة من وسائل التغلب والاستعمار وقضاء المآرب السياسية، وامتد أمام الأوربيين رواق العلم وانفسخ مجال الاختراعات والكشف وضاعفت الماكينة الانتاج ووجهت الحياة وجهة صناعية، وسار ذلك جنبا إلى جنب مع نشأة الدولة القوية وامتداد سلطانها إلى كثير من البلاد والأقطار، فأقبلت الدنيا على هذه الأمم من كل مكان فكان طبيعيا بعد ذلك أن تقوم الحياة الأوربية على قاعدة إقصاء الدين عن مظاهر الحياة الاجتماعية وبخاصة الدولة والمحكمة والمدرسة وطغيان النظرة المادية وجعلها المقياس فى كل شىء000 وتبعا لذلك سارت مظاهر هذه الحضارة مادية بحتة تهدم ما جاءت به الأديان السماوية وتناقض كل المناقضة تلك الأصول التى قررها الإسلام الحنيف وجعلها أساسا لحضارته، التى جمعت بين الروحاية والمادية جميعا، ومن أهم الظواهر الذى لازمت المدنية الأوربية :

1- الالحاد والشك فى الله وإنكار الروح ونسيان الجزاء الأخروى، والوقوف عند حدود الكون المادى المحسوس:

(يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)([1])0

2- الاباحية والتهافت على اللذة والتفنن فى الاستمتاع وإطلاق الغرائز الدنيا من عقالها وإشباع شهوتى البطن والفرج وتجهيز المرأة بكل صنوف المفاتن والمغريات والاغراق فى الموبقات إغراقا يحطم الأجسام والعقول ويقضى على نظام الأسر ويهدم سعادة البيوت: ((والذين كفروا يتمتعون، ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم )([2])0

3- الأثرة فى الأفراد، فكل إنسان لا يريد إلا خير نفسه. وفى الطبقات فكل طبقة تتعالى عمن سواها وتود أن تحظى بالمغانم دونها. وفى الشعوب، فكل أمة تتعصب لجنسها وتنتقص غيرها وتحاول أن تلتهم من هى أضعف منها 0

4- الربا والاعتراف بشرعيته واعتباره قاعدة التعامل والتفنن فى صورة وضروبه وتعميمه بين الدول والأفراد، وقد انتجت هذه المظاهر المادية البحتة فى المجتمع الأوربى فساد النفوس وضعف الأخلاق والتراخى فى محاربة الجرائم فكثرت المشكلات وظهرت المبادئ الهدامة واشتعلت الثورات المخربة المدمرة واضطربت النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فلم تستقر على حال وتمزقت الدول بالطوائف والأحزاب وتناحرت الشعوب على المطامع والأحقاد، وأثبتت هذه المدنية الحديثة عجزها التام عن تأمين مجتمع الإنسان وإقرار الطمأنينة والسلام فيه وفشلها فى إسعاد الناس رغم ما فتحت عليه من حقائق العلم والمعرفة وما وفرت لهم من أسباب الغنى والثراء وما مكنت لدولها فى الأرض من قوة وسلطان ولما يمض عليها قرن كامل من الزمان0([3])

وانتهى الإمام رضى الله عنه إلى هذا الحد الذى كشف فيه عن زيف الحضارة الغربية وسذاجة من انخدعوا بها، ثم انتقل إلى كشف ذلك الغزو الحضارى للأمة الإسلامية فقال (عمل الأوربيون جاهدين على أن تغمر موجة هذه الحياة المادية بمظاهرها الفاسدة وجراثيمها القتالة جميع البلاد الإسلامية التى امتدت إليها أيديهم وأوقعها سوء الطالع تحت سلطانهم، مع حرصهم الشديد على أن يحتجزوا دون هذه الأمم عناصر الصلاح والقوة من العلوم والمعارف والصناعات والنظم النافعة وقد أحكموا خطة هذا الغزو الاجتماعى إحكاما شديدا واستعانوا بدهائهم السياسى وسلطانهم العسكرى حتى تم لهم ما أرادوا ) 0

وهكذا كان حسن البنا قادرا- بعون الله تعالى له أن يخاطب كل فئة بلغتها وفى ميدانها وعلى طريقتها .. لقد كان رحمه الله يعرف لكل مقام مقاله فكان يعرف لغات الأزهريين والجامعيين والمهندسين والصوفية وأهل السنة.. كان يعرف لغة الفلاحين وأصحاب الحرف كان يعرف كل ذلك ليربطه فى لباقة مع دعوته ومعالمها الكبرى، فيجئ كلامه عجبا يأخذ بالألباب000
حسن البنا 0000 والكيد الرخيص


لابد لمن يتصرو لمثل هذا العمل الكبير فى الوقت الذى فسدت فيه النفوس ولم يعد هناك عمل يمكن أن يفهم على أنه مجرد أو خالص لله 00

كان لابد لحسن البنا من أن يواجه بمكائد من ذوى الأغراض، وقد حفلت حياة هذا الرائ العظيم بألوان شتى من الكيد الرخيص لم تنته يوماً ولم تهدأ لحظة00

ومنذ اليوم الأول، ولم يكن للرجل يومها قوة لها خطرها، ومع ذلك فقد كان ذلك الطابع للدعوة يثير بعض النفوس المريضة التى تكره العيش فى النور، وتحقد على كل عامل000

واجهت حسن البنا مكائد متعددة كان يقضى عليها بالحكمة.. فقد كان خلقه الايجابى، يمكنه من مواصلة هذه المكائد، وقد بدأ ذلك عندما وطن نفسه على العمل لفكرته 0

عريضة إلى صدقى باشا :

حدث عندما بدأ الإخوان بناء مسجدهم فى الإسماعيلية، وكان عملا ضخما جديداً أن أوعز بعض الناس الصدور على الأستاذ البنا.. فنشطت الدسائس والفتنة، وكان من بينها عريضة موقعة بأسماء لفيف من أهالى الاسماعيلية إلى رئيس الوزراء اسماعيل صدقى باشا إذ ذاك جاء فيها :

أولاً : إن هذا الدرس متصل بموسكو ويستمد المال من هناك لأنه يبنى مسجد وجميعة 0

ثانياً : إن هذا المدرس وفدى، يعمل ضد النظام الحاضر (نظام صدقى) ويقول إن الانتخابات بهذه الصورة باطلة، وأن دستور سنة 30باطل 0

ثالثاً : إن هذا المدرس ألقى محاضرة فى نادى العمال سنة 1930 عن أبى بكر الصديق، فقال إن انتخابه كان مباشراً ولم يكن من درجتين وإن الانتخاب باطل، وأنه ألقى محاضرة أخرى عن عمر بن عبد العزيز قال فيها إن عمر لم يأخذ من بيت المال شيئاً 0

واهتمت الحكومة إهتماماً كبيراً بهذه العريضة، وكلفت مراقب التعليم فى الإسماعيلية بتحقيقها فزار المدرسة000

وفى حجرة الناظر قال المراقب : هو ده كله الأستاذ حسن 000 !

قال الناظر : أهو دا يا بك 000

قال المدرس : يضع سره فى أضعف خلقه

واستطاع الأستاذ البنا بعون الله له أن يحمل المراقب على زيارة مسجد الجمعية ودارها، وكان قد أعد العدة لدعوة طائفة من أعيان البلدة وكبار الموظفين، وأقام حفل شاى0

ودعا المغرضين والمشتركين فى العريضة كذلك، والتأم الشمل، وتعاقب الخطباء.. ودهش الرجل وهو يستمع، أن هذا الخطيب نجار والآخر جناينى والثالث مكوجى000

وقال : هذه أعجب مدرسة رأيتها.. ولم يلبث أن تناول شارة الإخوان ووضعها على صدره وأعلن انضمامه للجماعة 00
* * *


آله يعبد 00

كتب الإمام البنا فى مذكراته يقول :

ذات يوم فوجئت بإثنين من أخلص الإخوان دخلا على فى حالة من الألم الشديد، وقالا إن فى البلد إشاعة قوية ضدنا ونحن لا يمكنننا أن نسكت على هذه الاشاعات فأسمح لنا أن ننتقم من هؤلاء الذين يتقولون علينا بالباطل فابتسمت وقلت لهما إن ذلك من الخير والله تبارك وتعالى يقول : (( لتبلون فى أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور))([4]) فعلينا بالصبر وبالتقوى، وهذا دليل حقية الدعوات أن يتقول عليها الناس بالباطل وأنتما تعلمان ماذا قيل عن دعوة الإسلام الأولى وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذت أسترسل فى هذه المعانى. فقالا فى ألم ولكن هذا الذى سمعناه لا يمكن أنسكت عليه أبداً فإنه كلام فظيع يذيعه قوم معروفون ولهم أثرهم فى نفوس الناس!!!

فقلت : وما هذا، فقالوا إنهم يقولون إنك تقول لنا فى دروسك اعبدونى من دون الله، وإن الإخوان المسلمين يعتقدون بناء على هذا أن الشيخ البنا إله يعبد وليس بشرا ولا نبيا ولا وليا ولا شيخا)) . ولقد تحرينا مصدر الإشاعة قبل أن نحضر إليك فعرفنا أن الذى يذيع هذا شيخ عالم يشغل منصبا دينيا ويصدقه الناس فيما يقول، فلم نكتف بهذا ولكنا ذهبنا إليه وسألناه من الذى أخبره بهذا فقال : لقد سمعته بأذنى من استاذكم، فأستغربنا الأمر وكررنا عليه القول فأكد لنا أنه سمع هذا القول منك. ونحن طبعاً لا نصدق هذا أبدا، ولكنا جئنا نسأل ونحن فى أشد الدهشة من جرأة هؤلاء الناس، ونريد مع هذا أن نعرف حقيقة هذا القول وأصل هذه الإشاعة!!!

نزل هذا الكلام نزول الصاعقة، وعجبت كيف يبلغ الكيد بالناس بعضهم لبعض هذا المبلغ العجيب، وأخذت أفكر فى مجلس جمعى بهذا الشيخ أو شىء يمكن أن يكون ذريعة لبعض هذا القول فلم أتذكر شيئا، ولكنى قمت من فورى وأخذت هذين الأخوين واستدعيت إثنين من إخواننا المدرسين الفضلاء أعلم أن لهما بهذا الشخص صلة وثيقة وبينهم صداقة وتزاور، وقصصت عليهما القصة وقلت لابد أن نذهب إليه الآن، ونسأله بأنفسنا عن أصل هذه الإشاعة لأنى أصارحكما بأنى لم أستطع بعد أن أصدق هذين الأخوين فى نقلهما عن هذا الرجل ولعله مظلوم أو لعلهما لم يفقها قوله، وليست التهمة مما يتساهل فيه، أو يغفل عنه فهيا بنا إليه وذهبنا نحن الحمسة وطرقنا باب الرجل ودخلنا إلى حجرة الانتظار وجاء يسلم علينا، فلما رآنا بجمعنا هذا أصفر وجهه وبدا الاضطراب فى صوته وحركاته. وكأنه شعر ما هنالك . ولم أدع له فرصة وقلت له توايا أستاذ: هذان الأخوان نقلالى الآن أنك تقول كذا وكذا وأنك قلت لهما سمعت هذا القول منى شخصيا بأنك. وهل ما نقله هذان الأخوان عنك صحيح وأنت قلت لهما هذا القول؟ فقال نعم. فقلت : برئت ساحتهما وأديا الأمانة، والتفت إليهما وقلت: جزا كما الله خيرا. ثم وجهت القول إليه ثانية وقلت : وأنت يا أستاذ متى سمعت منى هذا القول فقال : أتذكر منذ شهر تقريباً إننا كنا جالسين فى ((صندرة)) المسجد فدخل علينا أحد المدرسين واسمه محمد الليثى أفندى وجلس معنا، وجاء الإخوان يسلمون عليك فى شغف شديد واحترام فقال لك هذا المدرس يا أستاذ إن الإخوان يحبونك إلى حد العبادة، فقلت له إذا كان هذا الحب خالصاً لوجه الله فأنعم به من حب. ونسأل الله أن يزيدنا منه، وتمثلت بقول الشافعى :

إن كان رفضا حب آل محمد فليشهد الثقلان أنى رافض

فقلت له نعم أذكر هذه الحكاية فقال أليس معنى هذا أنهم يعبدونك. وهنا رأينا أحد الإخوان من أصدقائه المدرسين الذين معى قام من فوره وإنهال عليه شتما وهم به ليضربه فى بيته فأخذ يخاطبه أهذا ما تعلمته يا أستاذ وهذا مبلغك من الفهم ومن الأمانة فى المجالس ومن الصدق فى نقل القول. ولكنا حلنا بينهما والتفت إلين وقلت له يا إستاذ لقد ذكرت هذا ولك أن تفهم فيه ما تشاء ولكنك أضفت إليه أننى أنا الذى آمر الإخوان بعبادة غير الله ((حاش لله وتعالت دعوته عن ذلك علوا كبيراً)) وأن هذه هى عقيدة الإخوان التى سمعتها منى، وحذفت من القول أننى عاتبته على هذا التعبير عتابا قاسيا وقلت له إن هذا التعبير غير إسلامى جاءنا به الأدب الأوربى والميوعة الغربية، وانزلق إلى ألسنتنا وأقلامنا بحكم التقليد الأعمى، وإن من واجب كل مسلم أن يحترس من مثل هذه التعبيرات والألفاظ. لقد ذكرت الحكاية يا أستاذ ونسيت هذا التعليق، وعلى كل حال فحسبنا هذا منك وقد وضح الصبح لذى عينين، ولكن الإخوان الحاضرين وكلهم أصدقاؤه لم يكتفوا بهذا وألزموه أن يوضح الأمر توضحياً جليا فى حفل عام من إحفال الإخوان وإلا فهم سيعلمون كيف يعاقبونه أشد العقاب وقد كا، ونزل الرجل على حكم أصدقائه، وفى أول محاضرة أسبوعية وقف فأعلن الحكاية وأعلن أنه لم يقصد إلا مجرد نقلها كما هى، وأنه شاكر للإخوان ودعوتهم جميل أثرها فى نفوس الأمة عامة والشباب خاصة، وقضى الأمر 0

حسن البنا 000 فى مؤتمراته ولقاءاته


المؤتمر الخامس للإخوان المسلمين

بعد مرور عشر سنوات على قيام جماعة الإخوان المسلمين دعا الإخوان إلى المؤتمر الخامس الذى عقده بسراى آل لطف الله بالجزيرة، وكنت يؤمئذ لا أزال طالبا بمدرسة محمد على الصناعية ولم يسعدنى حظى بحضور هذا المؤتمر حيث كانت الامتحانات على الأبواب، ولكنى ترقبت إخوان الاسكندرية العائدين من الؤتمر كى يتحدثوا إلينا عن مشاهداتهم، وقد سردوا لنا روعة هذا المؤتمر التى كان من مظاهرها حرص وفود جميع الأقاليم على الحضور. وقيام فرق الجوالة باستعراض قوى وإشرافها الدقيق على تنظيم المؤتمر، وخطاب الأستاذ المرشد الذى ألقاه فى المؤتمر وكيف أن الخطاب كان تطورا جديدا بل بعثا جديدا لمفهوم دعوة الإخوان وكشفا واضحا صريحا لمنهجهم ورسالتهم فى العالم الإسلامى أجمع0

ومن أجمل ما حدث أنه بعد أن ألقى الأستاذ المرشد خطابه، كان قد سبق واعده مطبوعا فى مجلة النذير، فقام الإخوة بتوزيعه على الحاضرين فى الحال، وقالوا إنه لأول مرة يحضر مندوبو الصحف والمجلات، ومما هو جدير بالذكر أن رسالة المؤتمر الخامس تعتبر من أهم الرسائل التى توضح (مبادئ الإخوان وحركتهم ومنهجهم فى كل المجالات بقوة وصراحة ووضوح وهى مرجع هام ومصدر أمين لتفهم حقيقة (حركة الإخوان المسلمين)0

ولقد لفت نظرى فى دعوة الأستاذ المرشد العام إلى المؤتمر الخامس أنه دعا (على باشا إسلام) وهو شخصية كبيرة ومن المحبين للإخوان فى مدينة بنى سويف .. ليقوم بإفتتاح هذا المؤتمر.. مع أن هذا الصنف نادر وجوده فى صفوف جماعة الإخوان، ولكن الأستاذ البنا يعطى لكل موقف ما يناسبه من الرجال وما يصلح لتحقيق غاية لا يصلح لها غيره (والحكمة ضالة المؤمن) ولما كان هذا المؤتمر له أهميته الكبرى فقد اختار فضيلة المرشد له مكانا يعتبر أكبر دار لها شهرتها وهى سراى آل لطف الله بالجيزة، واتخذ له كل تدابير الدعاية اللازمة على أوسع نطاق، ولما كانت الصحافة والشعور العام لا يهتم إلا بالمؤتمرات التى يحضرها الأعيان والوجهاء فكان لابد من أن يستعان بأحد هؤلاء الوجهاء المشهود لهم بالسمعة الطيبة وحسن الخلق ومحبة الناس له 0

وبالفعل صدرت جريدة الأهرام فى اليوم التالى ناشرة على إحدى صفحاتها أخبار هذا المؤتمر وصورة فوتوغرافية لعلى إسلام باشا وهو يخطب فى المؤتمر وبهذا استطاع الرأى العام أن يتعرف على كل شىء من أهداف جماعة الإخوان المسلمين ورحم الله إمامنا الشهيد، الذى كان يعرف أقدار الرجال ويعرف لكل موقف ما يلائمه ليصل به إلى ما يحقق أهداف الدعوة فى صبر وحلم وأناة وإنتهى هذا المؤتمر العظيم بالقرارات الآتية :

أولاً : يقرر المؤتمرون تأييد مكتب الإرشاد العام للإخوان المسلمين فى خطوته الموفقة ويشكرون لحضرات أعضائه نهوضهم بعبء الدعوة 0

ثانياً : العمل علىنشر دعوة الإخوان، كل دائرة فيما يحيط بها من القرى والبلدان، والعمل على تكوين الكتائب وفرق الجوالة فى شعبهم0

ثالثاً : يقترح المؤتمرون على مكتب الإرشاد العام الإسراع فى تشكيل اللجان الآتية :

( أ ) لجنة دستورية من أعضاء الجماعة المختصين لدراسة نصوص الدستور المصرى والموازنة بينها وبين القواعد الأساسية فى نظام الحكم الإسلامى، ثم العمل على لإحلال النظم الإسلامية محل غيرها مما لا يتفق معها0

(ب) لجنة قانونية للموازنة بين القانون الوضعى فى كل فروعه وبين القانون الإسلامى وبيان نواحى الخلاف بينهما، ومطالبة الحكومة بتعديل القانون حتى يتفق مع أحكام الإسلام0

(ج) لجنة علمية لوضع كتاب مختصر مفيد فى العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات الإسلامية، مدعم بالأدلة من الكتاب والسنة، بعيد عن مناحى الخلاف وتشعب الآراء حتى يكون مرجعا للإخوان ولمن شاء 0

(د ) لجنة فنية تكون مهمتها دراسة مشروع بناء دار لمكتب الإرشاد العام بالقاهرة ومعرفة ما يلزم لذلك من النواحى0

(هـ) لجنة خاصة لدراسة قضية طرابلس وإتخاذ ما يمكن من الوسائل للمحافظة على كيانها العربى والإسلامى0

رابعاً : تحية المفتى الأكبر والمجاهدين الكرام فى فلسطين المباركة وأعضاء اللجنة العربية العليا وفضلاء أعضاء الوفود الإسلامية الأمجاد بمؤتمر لندن، مع إرسال برقية لسماحة المفتى بمقره بلبنان، ولسمو رئيس وفد مصر بلندن بالمؤتمر، ولوزير خارجية انجلترا بتأييد المطالب العربية بمناسبة إنعقاد المؤتمر الخامس للإخوان المسلمين0

خامساً : مطالبة الحكومة المصرية بالإسراع فى سن التشريعات اللازمة لحماية الآداب والأخلاق والعقائد، ويقترح المؤتمرون على الحكومة أن تسرع فى تكوين لجنة من علماء الأزهر ورجال الجمعيات الإسلامية ورجال القانون لإرشادها إلى ما يجب أن تفعل فى هذا السبيل فى كل نواحى التربية الهامة. وتحضير القوانين اللازمة لذلك فالأمر لا يحتمل الإبطاء 0

سادساً : رفع هذه القرارات وإبلاغها إلى الجهات المختصة وإذاعتها فى الجرائد وعلى شعب الإخوان المسلمين فى القطر وفى الخارج 0

وقد أرسلت البرقيات المشار إليها إلى أصحابها، وأخذ المكتب يعد العدة لإنفاذ هذه القرارات0

المؤتمر الشعبى الأول بالقاهرة

بعد أن عاد محمود فهمى النقراشى باشا بعد إلقاء خطابه بالجمعية العمومية للأمم المتحدة، قام الإخوان المسلمون بعمل مؤتمرات شعبية لتأييد المطالب الوطنية بجلاء الانجليز عن أرض مصر 00 إذ كانوا قادوا المظاهرات وأعلنوا عن يوم الجلاء ويوم الحريق: إذ كانوا يجمعون كل الكتب والمجلات الانجليزية ويحرقونها فى الميادين العامة فى عواصم المحافظات، كما قاموا بتوزيع آلاف من شارات الجلاء، وأنزلوا كل اللافتات المكتوبة باللغة الإنجليزية من المحال التجارية 0

وكان المؤتمر الشعبى الأول بمدينة القاهرة فى أحد أيام عيد الأضحى المبارك، حيث اجتمع له أكثر من نصف مليون مواطن لم تتسع لهم دار الإخوان ففرشت الشوارع المحيطة بميدان الحلمية الجديدة بالحصير، وخطب فى هذا المؤتمر الأستاذ احمد السكرى والأستاذ لويس فانوس عضو مجلس الشيوخ. وحين دعى الأستاذ المرشد لإلقاء كلمته قام من وسط الجماهير حيث كان يجلس معهم على الحصير0

وتحدث حسن البنا فى هذا المؤتمر ، فكان مما قال :

إننا نحن المصريين نطالب بجلاء القوات البريطانية عن الوطن العربى والإسلامى وفى نفس الوقت لا نزال نتعامل معهم ونجاملهم وليس هذا الأسلوب بمخرجهم من بلادنا. إننا فى حاجة إلى شعور من البعض ينبع من قلوبنا ومن فقه عقيدتنا إنه لا يمكن خروج الأعداء بالمعنى السياسى وحده ولا المصلحة وحدها، ولكن لابد من عامل العقيدة أولاً، فلابد من أن يدفعنا إلى ذلك شعور من البغض، وهل الإيمان إلا الحب والبغض؟ ! ولهذا فأنا أقول لكم إذا سلم عليكم إنجليزى فأغسل يديك سبع مرات بالماء إحداهن بالتراب0

ثم قال : يجب أن يعلم كل مصرى أن مصر تدين بريطانيا العظمى بحوالى 500مليون جنيه، وعلى هذا يكون نصيب كل فرد عشرون جنيهاً فيجب على كل مصرى أن يطالب بحقه فى هذا الدين0

ثم قال : ليعلم كل مصرى أن بريطانيا قد خرجت من الحرب العالمية الثانية فقيرة ومدينة لجميع الدول، وأصبح مثلها الآن فى نظر الشعوب (كخيال المآتة) الذى يضعه المزارعون فى وسط المزارع ليرهبوا به العصافير والطيور، أو مثل رجل غنى أصابه الفقر وباع كل ما يملكه سوى بدلة (ريدنجوت)، أبقى عليها وحدها ليلبسها فى الحفلات الكبرى ليظن الناس حين يخرج بها أنه لا يزال بجاهه وغناه0

وختم الأستاذ المرشد خطابه فقال: إننا يجب أن نرضع أطفالنا كراهية وبغض الإنجليز، وسنجعل من قنوتنا فى الصلاة (اللهم رب العالمين وأمان الخائفين ومذل المتكبرين وقاسم الجبارين: تقبل دعاءنا وأجب نداءنا وأنلنا حقنا ورد إلينا حريتنا. اللهم إن هؤلاء الظالمين قد طغوا فى البلاد فأكثروا فيها الفساد، اللهم فرق جمعهم وفل حدهم وشتت شملهم وأجعل بأسهم بينهم شديدا واهزمهم وانصرنا عليهم ) 0

00 ثم قال بكل قوة وحماس: سوف نعلم أولادنا الحرية والوطنية كما نعلمهم السورة من القرآن.. إياك نعبد وإياك نستعين. إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم. كما نعلمهم اخرجوا من بلادنا مصر والسودان وفلسطين وسوريا ولبنان والعراق وسائر بلاد المسلمين 0

وضج المؤتمر بالهتافات التى دوت فى كل الأرجاء، واختتم فى ساعة متأخرة من الليل وبات آلاف الإخوان فى القاهرة والأقاليم فى الأرض الفضاء المعدة لبناء دار الطباعة والنشر الإسلامية المقابلة لمسجد قيسون بشارع محمد على0

وفى أرض دار الطباعة والنشر وقف الأستاذ المرشد على منصة وظل الإخوان يسلمون عليه أفراداً إلى قبيل الفجر.. ولا زلت أذكر وأنا أقف فى الصف الطويل كى أسلم على فضيلته: قول أحد الإخوة وهو يسلم عليه : هل تذكرنى يا فضيلة المرشد؟ فنظر إليه ثم قال له : نعم أذكرك، ألست فلان الذى ألقى قصيدة فى حفل طنطا مطلعها كذا. وكنت قبل أن يرد عليه الأستاذ فى غاية الإشفاق من هذا الموقف الحرج، كما كنت غير مستسيغ لمثل هذا السؤال، ذلك أن الأستاذ المرشد كثيرا ما يسلم على كل بأسمه وأحيانا يستوقفه ليسأله عن بعض شأنه، والحديث يطول فى الإحاطة بحدة ذاكرة الأستاذ المرشد التى ميزه الله بها0

ومن أجمل ما كان فى هذا المؤتمر فى خاتمته هو تجول فضيلته بين الإخوان ولقاؤه بهم جماعات حتى أدركه الفجر فأدى صلاة الفجر بالإخوان فى جامع قيسون ثم بدأت الوفود تنصرف 0

المؤتمر الشعبى الثانى بالإسكندرية

وبعد إنتهاء المؤتمر الشعبى الأول بالقاهرة دعا الإخوان المسلمون بالإسكندرية إلى عقد مؤتمر شعبى، وقاموا بالدعاية اللازمة، حتى احتشد أكثر من عشرة آلاف مواطن داخل المكان المعد للحفل وخارجه. كما حرص الإخوان فى هذا المؤتمر علىتوفير كل وسائل الأمن والمحافظة على النظام. وذهبت جوالة الإخوان بالإسكندرية لإستقبال فضيلة المرشد وصحبه حين حضورهم بالقطار فى المحطة، فعندما وصل القطار تعالت الهتافات ((بشراك يا مصر)) كل ردد الإخوان المسلمون هتافهم ( الله أكبر ولله الحمد) مدويا فى كل الأرجاء، ونزل من القطار الوفد المرافق للأستاذ المرشد ليقول لنا : إن الأستاذ سيلتقى بكم فى شعبة محرم بك. وانتاب الإخوان شعرو بالضيق، ولكن لم يسعهم إلا الانصراف بنفس النظام إلى الشعبة فى مظاهرة إسلامية رائعة، والشرطة تراقب دون أى تدخل0

وبعد أن انصرف الإخوان من محطة السكة الحديد خرج الأستاذ المرشد من المحطة ذاتها فى هدوء وركب عربة (حنطور) وسار فى الطريق إلى شعبة محرم بك، ولم نلتفت لهذا الموقف إلا بعد أن وصلنا حيث فهمنا من ذلك أن الأستاذ المرشد لم يرغب فى هذه الصورة من الاستقبالات، وأنه آثر أن يكون الاستقبال عاديا0

وفى المساء تحدث فضيلته فى المؤتمر الذى حضره فيمن حضر الأستاذ فؤاد سراج الدين سكرتير حزب الوفد وآخرون، وكان من كلامه فى هذا المؤتمر قوله: إن الإسلام نظام شامل كامل، إذا كان بعض المسلمين يجهلون الإسلام بهذا الشمول، فإننا نعذرهم إذا صح أن الجهل عذر0

ولازلت أذكر هذا المثل الدقيق، الذى صور به فضيلته- حال الناس فى نظرهم إلى الإسلام أجزاء وتفاريق.. قال : إننى أمثل الإسلام كهرم كبير له أربعة أركان، إذا وقف أحد أمامه لا يرى منه إلا وجها واحدا، فيقول: إن الإسلام عبادة، ويقول آخر: إن الإسلام تصوف، ويقول ثالث: إن الإسلام معاملة، ويقول رابع إن الإسلام سياسة، وكل منهم يتعصب لما رأى.. وهكذا تعددت آراؤهم وتصوراتهم بحسب ما رأوا من أركان الإسلام والحقيقة أن الإسلام هو كل هذا الذى رأى كل منهم، ولكنهم لن يدركوه كاملا ولن يحيطوا به كله إلا إذا وقفوا على قمة الهرم، وساعتئذ تنكشف لهم حقيقة الإسلام المتكاملة مرة واحدة 0

وبعد أن انتهى المؤتمر الذى أستمر أكثر من أربع ساعات متصلة ازدحم الناس ليسلموا على فضيلته فأقبل عليهم بانشراح وبعد أن اتنتهى خرج إلى الباب فوجد الأستاذ فؤاد سراج الدين ينتظره بسيارته، فلما دعاه ليركب معه شكره واعتذر له حيب أن شعبة محرم بك على مقربة من المكان0

ولما ذهب فضيلته إلى شعبة محرم بك وقف الإخوان من حوله يسلمون عليه، وقد لاحظت أن بعض الإخوة يعودون مرة أخرى للسلام، وطلبت من الإخوان أن يتصرفوا حتى يعطوا لفضيلة المرشد فرصة للراحة، فانصرف الإخوان0

وحين ذهبنا إلى منزل المهندس محمد القراقصى للمبيت عنده طلبنى الأستاذ وسألنى فى عتاب: لماذا أمرت الإخوان فى شعبة محرم بك بالانصراف؟ فقلت : لأننى اشفقت على فضيلتكم من التعب والإرهاق. فقال : ومن قال إتنى متعب. قلت: السفر طويل والمؤتمر الذى استمر أكثر من أربع ساعات ثم إن بعض الإخوان يسلمون عليك أكثر من مرة، ولكن يبدو أنك لم تفهم 00 إن سعادتى لا تقدر حين أضع يدى فى يد إخوانى.. إنها روح وحياة وسعادة تمسح التعب والألم والإرهاق. فأطرقت خجلا وبدأت أفهم بل أتذوق0

وحين جاء موعد تناول طعام العشاء، جلسنا على المائدة وكان فضيلته يقوم بنفسه بتوزيع الطعام علينا، ويرغبنا فى الأصناف الموجودة، ويتناول معنا الأحاديث التى تدخل علينا السرور 0000 ذلك أنه كان يتلطف معنا بصورة ترفع كل التكلف وتشعرنا بالحب والأخوة الصادقة، حيث يشعر كل واحد منا بأنه أقرب إلى قلبه من غيره0

وفى صباح اليوم التالى غادر الإسكندرية فى أمان الله إى دمنهور حيث دعى لصلاة الجمعة فى مسجد الزرقا0

إجتماع رؤساء المناطق والشعب ومراكز الجهاد 0

دعا المركز العام للإخوان المسلمين رؤساء المناطق والشعب ومراكز الجهاد فى جميع أنحاء المملكة المصرية إلى الاجتماع فى اليوم الثانى من عيد الفطر 2من شوال 1364 الموافق 8من سبتمبر 1945 للنظر فى موقف الإخوان من الحقوق والوطنية فى ذه الآونة0

وقد لبى الدعوى ألفان وخمسمائة عضو يمثلون فروع الهيئة ودام الإجتماع برئاسة فضيلة الستاذ ((حسن البنا)) المرشد العام حوالى أربع ساعات تناولوا فيه البحث فى موقف الجماعة من الحقوق الوطنية، كما تناولوا موضوع القانون رقم 49 لسنة 1945 ([5]) الذى أصدرته وزارة الشئون الإجتماعية الخاص بالجمعيات وبعد مناقشات أصدروا القرارات الآتية :

يقرر المجتمعون بإعتبارهم الجمعية العمومية للإخوان المسلمون التى تمثل مناطقهم وشعبهم فى المملكة المصرية ما يأتى :

أولاً فيما يتعلق بموقف الإخوان المسلمين بمناسبة صدور القانون رم 49 لسنة 1945 الخاص بتنظيم الجمعيات الخيرية والمؤسسات الإجتماعية0

إن جماعة الإخوان المسلمين هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق المقاصد والأغراض التى جاء بها الإسلام الحنيف ومنها :

1- الغرض العلمى: وهو شرح دعوة القرآن الكريم شرحاً دقيقاً، وعرضها عرضاً يوافق روح العصر ويرد عنها الأباطيل والشبهات0

2- الغرض العلمى: وهو جمع كلمة الأمة المصرية والأمم الإسلامية عامة على هذه المبادئ احتى يتكون رأى إسلامى عام يعمل على نصرتها وتحقيقها 0

3- الغرض الإقتصادى: وهو يرمى إلى تنمية الثروة القومية من زراعية وصناعية وتجارية ويعمل على تحريرها وحمايتها0

4- الغرض الإجتماعى : وهو يحقق رفع مستوى المعيشة وكفالة التوازن الاجتماعى بين الأفراد والطبقات وضمان تكافؤ الفرص للجميع بمكافحة المرض والفقر والجهل والرذيلة وتشجيع أعمال البر0

5- الغرض الوطنى القومى: وهو تحرير وادى النيل، والمساهمة فى الع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://anas-omar.ahlamontada.com
أسد الغفران
المدير العام
المدير العام
أسد الغفران


الجنس : ذكر
الأبراج : العذراء
عدد المشاركات : 903
التقيم : 211104
الشكر : 59701
تاريخ الميلاد : 01/09/1994
العمـــر : 29

مواقف في الدعوة والتربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مواقف في الدعوة والتربية   مواقف في الدعوة والتربية Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 9:50 pm



[b]المسلمين مسائل جوهرية تخص صميم الدعوة التى بايعنا الله على أن نعمل فى ميدانها فى غر هوادة أو ضعف أو لين مشهدين الله على ما نقول وهو نعم المولى ونعم النصير0


وإلى إخواننا فى الله نسرد بإيجاز أوجه الخلاف بيننا وبينهم مذكرين من عرفوا الدعوة وآمنوا بها بأنها لا تنحصر فى مكان ولا تتوقف على شخص ولكنها دعوة الحق، دعوة إلهها واحدة وزعيمها واحد خاتم الأنبياء محمد صلوات الله وسلامه عليه وهى مفروضة على كل مؤمن0
أوجه الخلاف
(1) الشورى


يرى فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين أنه لا شورى فى الدعوة، وأن الدعوة إنما ينهض بها فرد واحد له أن يأمر وعلى الجميع أن يطيع. وقد خالفناه فى هذا الرأى. واصرررنا على موقفنا لأن فى رأى فضيلته مخالفة للنظام السياسى للإسلام وتحديا لمصدريه العظيمين الكتاب والسنة ((فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك، فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الآمر)). ((وأمرهم شورى بينهم))0

حاولنا أن نتفاهم مع فضيلته كثيرا فأبى إلا أن يكون راية الفصل ولو كان فى ذلك إقصاء للمخلصين من الإخوان المسلمين. ثم عاد إلى التعلل أخيراً بأنه لم يجد فى الإخوان من هو أهل للشورى وهذا ما لا نقره عليه0
(2) العمل تحت لواء الحاكمين بغير ما أنزل الله


من مبادئ الإخوان المسلمين ان لا نجاح للدعوة إلا بقوة الشعب الذاتية وتوجيه الرأى العام توجيها إسلاميا خالصا دون الاعتماد على الحكام ولكن الأستاذ حاد عن هذا المبدأ القويم معلنا أن نجاح الدعوة مرهون بإرضاء الحكام والعمل تحت الويتهم الحزبية وأخذ يسلك سبلا متفرقة ما بايعنا الله عليها ((وان هذا صراطى مستقيما فاتبعون ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله)) متناسيا إلا أمل للاسلام فيهم وانهم يحكمون بغير ما أنزل الله والله تعالى يقول ((ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون الظالمون الفاسقون)). ((ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تتنصرون)). ((وايبتغون عندهم العزة، فإن العزة لله جميعاً))0

عارضنا هذا بكل قوة مرددين أقوال فضيلته بأننا إسلاميون غير حزبيين واننا نعمل لله ولرسوله لا لزعيم ولا لحزب مدعمين هذا بخطبه فى المناسبات الكثيرة وبمقالاته فى صحف الإخوان0

فأبى إلا العمل براية واصر على المضى فيه ((افحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون))0
(3) التلاعب المالى


طلبنا من فضيلته تكوين هيئة قوية لمراقبة المال والمحافظة عليه لتكون مسئولة أمام الإخوان المسلمين فأعرض فضيلته واصم اذنيه عن هذا القول الذى نعده طلبا عادلا يتفق مع ابسط مبادئ الادارة0

وكان من نتيجة عدم الأخذ بهذا الرأى أن انفقت اموال كثيرة لا نقول فى أغراض شخصية ولكن على الأقل فى غير الأغراض التى جمعت من أجلها 0

فأولاً : على سبيل المثال: قد جمع فى عام 1939 أكثر من 300جنيه مصرى قيمة اشتراكات سهم الدعوة، وكان الواجب أن يكون نصف هذا المبلغ على الأقل باقيا فى خزانة الجماعة حسب القانون المالى لهذا السهم، ولكن بكل اسف لا يوجد مليم واحد من هذا المبلغ فى خزانة الإخوان0

ثانياً: على سبيل المثال أيضا قد جمع فى خلال عام أو أكثر على سبيل الاكتتاب من الشعب مبالغ لمساعدة فلسطين الشقيقة فى محنتها التى تجتازها وبلغ مجموع هذه الاكتتابات حسب بيان الأستاذ الأخير مبلغ 570جنيها مصرياً 0

ومما لا شك فيه أن هذا المبلغ يعتبر أمانة فى ذمة الإخوان فرض عليهم أن يؤدوها لأصحابها بمجرد وصولها إلى أيديهم 0

ومع ذلك فلم يصل لفلسطين من هذا المبلغ سوى 465جنيها على ثلاث دفعات أما باقى المبلغ فقد اعترف الأستاذ ان جزءا كبيرا منه انفق فى شئون الجمعية الخاصة، ولا يرى فضيلته فى ذلك مانعا شرعيا0

ثم عاد وقال بعد أن سمع من احد الإخوان حكم الشرع فى هذا أنه مستعد لجمع هذا المبلغ وإرساله والمهم أنه لا يوجد كذلك بخزانة الجمعية مليم واحد من هذا المبلغ أيضاً0
(4) تطهير الدعوة


الحفنا على فضيله ورجوناه غير مرة أن يحرص على طهارة الدعوة باقصاء كل الأعضاء الذين تشوب اخلاقهم الشوائب ليسلم هذا البناء الذى كنا وما زلنا نفديه بأنفسنا وحتى يسمو عن المظان والشبهات وكان من بين هؤلاء الأعضاء اشخاص اعترف فضيلته فى احاديث متعددة بعد أن تبين تحقيقات اجراها بنفسه بأن فى وجودهم أضرارا بسمعة الدعوة من الناحية الخلقية. ولكنه أصر على إبقائهم فضلا عن أنه اسند إليهم اعمالا رئيسية وأخذ يشيد بذكرهم فى رحلاته إلى الصعيد وغيره 0
وأخيرا


على هذا اختلفنا وكان موقفنا واضحا جليا لا غموض فيه 0

وكان اختلافنا على المبادئ العامة فلم نلجأ إلى دعاية شخصية ولا إلى أساليب كلامية متخذين من محمد صلوات الله وسلامه عليه إماما ومن كتاب الله الكريم منهاجا0

هوجمنا أشد المهاجمة وعودينا أشد المعاداة فلم نقابل العدوان بمثله بل كنا نردد قوله تعالى ((وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين))0

غير أن هذا الموقف الهادئ نفسه لم يعجب فضيلة الأستاذ. فقد اعلن وقد راعه تأييد الإخوان المسلمين المتوالى لموقفنا بأنه لا يستطيع العمل معنا على هذ الأسس التى نتمسك بها بحق كل الاستمساك ويأبى بكل قوة أن يجب على أى واحد منها ولذلك فقد اعلن فصلنا من جماعة الإخوان المسلمين0

ولما كنا قد عاهدنا الله تعالى على أن نظل طوال حياتنا جنودا للإسلام نجاهد فى سبيله ((حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)) عاملين تحت راية القرآن متأسين بالزعيم الأول سيد الأنبياء، واشرف المرسلين محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والسلام0

ولما كان الجهاد فى سبيل الله والعمل تحت راية رسوله لا يتقيد بأمكنة ولا أشخاص فقد عزمنا على السير فى طريقنا مستعينين بالله مقتدين بسيرة سيد الأنبياء معتمدين على أنفسنا وروضها على العمل لتحقيق المثل العليا التى نؤمن بها. ( ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز) (إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)0

ونحن إذ نسير فى طريقنا فى عزم وقوة مزودين بأعمق الإيمان رائدنا الإخلاص ووجهتنا الله، نرحب بمجهود كل شاب مؤمن يدين بهذه الغاية النبيلة مقبلين علىتلك الميادين التى تعرفونها.

أيها المسلمون الأبرار ميادين الجهاد والتضحية مترسمين خطى المجاهدين والأنصار الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه0

رد الأستاذ المرشد على شباب سيدنا محمد (h)

إلى الذين تخلفوا عن الصف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وبعد : فقد قرأت بيانكم فى مجلة النذير عن موقفكم منى ومن إخوانكم فى جماعة الإخوان المسلمين التى نشأتم فى روضها ودرجتم فى عشها وتعلمتم الغيرة على الإسلام من دعاتها. وإليكم كلمتى فيما ذكرتم لا حرصا على الرد ولكن تبيانا للحق وتذكرة لكم ويعلم الله كم يعز على ويحز فى نفسى أن تقفوا هذا الموقف وأن تتنكروا للحقيقة هذا التنكر وأن تستفتحوا عملكم الجديد بهذا التجنى الذى نهيتكم عنه وحذرتكم إياه والذى ما زدتم به على أن نقضتم عهدكم وعققتم أباكم وخاصمتم إخوتكم وقللتم عددكم وأوهنتم جلدكم وأضعتفتم قوتكم وحاولتم صدع بناء شادة الله وهو عليه حفيظ، وقد حاول ذلك من قبلكم من هو أشد منكم قوة وأكثر جمعا فلم يظفروا بطائل والله غالب على أمره، ولقد كنت أود لكم غير هذا من العمل الجدى والميادين النافعة وتعهدت لكم بمساعدتكم فى ذلك أكبر المساعدة إن سلكتم هذه السبيل فغلبتكم العاطفة على عقولكم ووضعتم لأنفسكم ألقابا وصفات لتجسموا الخطب وتهولوا الواقع ولكن الناس بأخلاقهم لا بألقابهم، فغفر الله لكم وهدانا وإياكم وصدق الله العظيم (إن هى إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى بها من تشاء وأنت ولينا فأغفر لنا وأرحمنا وأنت خير الغافرين)([1])0
1- يسرنى أن تعلموا


علم الله أيها الأبناء أننى لا يسؤنى لو صدقتم- أن أجد لكم روحا وثابة وحماسة فياضة وغيرة صادقة ويسرنى أن أراكم تعملون للإسلام فى الميدان الذى ترضونه تبنون ولا تهدمون وتؤسسون ولا تنقضون0

ولقد قلتم أننى فضلتكم وأنتم تعلمون وإخوانكم الذين حضروا الاجتماع الذى دعوتكم إليه يعلمون كذلك أنكم أنتم الذين أحلفتم فى طلب الفصل وألححتم إلحاحا، وذلك لما بينتموه من نية وما اعتزمتموه من عمل منذ أمد بعيد، وأنتم بين ظهر انينا فلم يسعنى إلا أن أنزل على رغبتكم فى ذلك داعيا لكم بالتوفيق والإخلاص، إذ أن أكبر ما يسر الوالد أن يرى أبنه موفقاً وأن لم ينسب إليه هذا التوفيق وأنتم تعلمون أن مجلة النذير كانت لى فأعطيتكم إياها وتنازلت لكم عنها عن طيب خاطر بشرط أن تنصرف جهودكم إلى عمل نافع وميدان فيه خير للإسلام، ولئن كان العدد الأول علينا فالعدد الثانى وما يليه قد يكون لنا بحكم خدمة الدعوة العامة التى نعمل لها جميعا0
2- الشورى


زعمتم أيها الأبناء أنى أرى أنه لا شورى فى الدعوى وسامحكم الله فى هذا الادعاء على وعلى الحقيقة، فأنا لم أقل هذا ولكنى أنركت أن يتحكم فرد تأثر بدعايته سبعة عشر فرداً من أفراد أسرة فى بقية ألف من هؤلاء الأفراد وهم إخوانكم بالقاهرة وهو ما أردتموه أنتم فقد أبيتم إلا أن أنزل على أراء بعضكم ولو خالف هذا آراء الجميع من الإخوان، أفهذه هى الشورى التى تريدونها؟ وقد دعوتكم إلى الجمعية العمومية للإخوان بالقاهرة لتعرضوا عليها آراءكم وتطلبون إليها ماتريدون فأبيتم هذا ولا زلت أدعوكم إليه وأستطيع أن أقول إننى أكتب هذا باسم ألف من إخوانكم فى القاهرة عدا شعب الأقاليم الخمسمائة فماذا ترون؟ وهل بعد هذا لازلتم تصرون على أنه لا شورى فى الدعوة؟

هذا هو ما وقع وهذا هو ما نسير عليه الآن، فالشورى ماثلة فى كل عمل من أعمالنا والحمد لله كما أرادها الإسلام وصورها، والشورى الإسلامية ليس فيها أغلبية ولا أقلية، فالإمام يستوضح الآراء، والشورى الإسلامية ليس فيها أغلبية ولا أقلية، فالإمام يستوضح الآراء وهو أمين عليها ثم يأخذ بما يتبينله منها جميعا فينفذه وفق أحكام الإسلام، وهو مسئول بعد ذلك عن نتائج سياسته، هذه هى النظرية الإسلامية للشورى وإن كنا فى الواقع قد اتخذنا فى تطبيقها صورة قريبة إلى ما الف الناس من هذه التشكيلات، ولقد كان آخر نظام للإخوان فى مكتب القاهرة أرتضيتموه أنتم وعملتم على أساسه ووقعتم بذلك على محضره هو نظام اللجان، فلكل لجنة عملها واستقلالها والشورى تسودها بأوسع معانيها، ولقد كان بعضكم فى هذه اللجان فعلا فهل شعرتم بأن أحدا وقف فى طريقكم فى شىء؟ ولكنكم أردتم الاستئثار الذى يتنافى مع الشورى فأبينا عليكم ذلك حرصا على قوق إخوانكم الذين هم أكثر منكم إلماما بالدعوة وغيرة عليها وحرصا على خيرها والنهوض بها ويفضلونكم بعد ذلك بالأسبقية إليها والصبر على آلامها والتضحيات فى سبيلها، ثم بالسن الذى يقدره الإسلام ويحله المحل اللائق بجلال التجربة0

وبعد، فنحن فى دور تكوين وتربية والتكوين والتربية فى حاجة إلى التوجيه الحازم والبعد عن الخلاف فى الرأى والإنقسام فى النقاش وهو ما أقصد إليه وأعمل عليه ويوافقنى فى ذلك كل الإخوان المسلمين0
3- التلاعب المالى


غفر الله لكم أيها الأبناء فلكم أن تقولوا كل شىء إلا أن الإخوان- ينظرون إلى المال أو يتطلعون إلى الدنيا فإن من يقرأ هذا العنوان يظن أن الإخوان قد ملأوا جيوبهم من الأموال العامة، ثم ماذا تذكرون بعد ذلك0

(1) تذكرون أن سهم الدعوة قد بلغ أكثر من 300ثلاثمائة جنيه مصرى وكان المفروض أن نصفها يجب أن يظل للمساهمين، ونسيتم أن قرار جمع سهم الدعوة أجاز للمكتب أن يستخدم هذا النصف فى عمل تجارى، وذلك ما كان فإننا جددنا مطبعة الإخوان المسلمين وقيمتها الآن تزيد على أكثر من المائة والخمسين جنيها، فماذا فى هذا التصرف من التلاعب، وقد وقع وفقاً للقرار المعلن الموضوع فى حدود مصلحة الدعوة وخيرها0

(2) وتذكرون أن مبلغا يبلغ المائة جنيه مما جمع لفلسطين لم يصل إلى فلسطين ولم تذكروا وأنتم أعلم الناس بذلك- أن المكتب بالقاهرة قد بلغت مصروفاته الخاصة بأعمال الدعاية لقضية فلسطين نفسها ولجمع هذه النقود قد وصلت إلى أكثر من 124 جنيه مائة وأربعة وعشرين جنيها ما بين مطبوعات ورسائل يبريد وبرقيات وسفر مندوبين وطبع قسائم وعمل شارات وتذاكر شخصية وما إلى ذلك عدا ما صرف لقضية فلسطين فى غير هذه الأبواب أيضاً مما يعرفه الكثير من الإخوان0

فهل يقال بعد هذا إن هناك تلاعبا فيما يجمع من أموال، وإذا كان كل ما جمع معروفا بالمليم وكل ما صرف كذلك بدليل ما أوردتم من أرقام فأين التلاعب المزعوم؟

ولقد علم الناس أجمعون، وفى مقدمتهم أبناء فلسطين البواسل أن الإخوان المسلمين هم الذين يفدون فلسطين الشقيقة بأموالهم وأولادهم ودمائهم، ولكنكم أردتم أن ترفعوا بذلك ((قميص عثمان)) والله بيننا وبينكم وهو أحكم الحاكمين.

إننى أعتب عليكم فى هذا عتبا شديدا وما كنت أظن أنكم تتجاوزون الحق هذه المجاوزة فى نقاط واضحة بينة، تعلمون أنتم وجه الحق فيها قبل غيركم من الناس، ولكن غفر الله لكم أيضا0
4- العمل تحت لواء الحاكمين بغير ما أنزل الله


وأكثر أمركم عجبا بل أشده غرابة وأكبره تجنيا أن تذكروا أننى أعلنت ((أن نجاح الدعوة مرهون بإرضاء الحكام والعمل تحت ألويتهم الحزبية .. )) وما كنت أدرى أن لحاجتكم فى الخصومة تحدوكم إلى هذا الافتراء المبين على شخصى وأنتم تعلمون وقد تلقيتم أن نجاحها مرهون بإرضاء الله وحده والسير على منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم كما اعترفتم بذلك فى بيانكم وعليه سرنا ونسير حتى يفتح الله بينننا وبين قومنا بالحق وهو خير الفاتحين، ونحن نرى مع هذا أن توجيه الدعوة للحاكمين ومخاطبتهم بها وتعريفهم إياها من أنفع الأشياء لتحقيق أغراضها والوصول من أقرب الطرق إلى أهدافها فإن الله يصلح بالواحد منهم أمة لو أصلحه الله وأنتم تعلمون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ((الدين النصيحة قلنا لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ((وقول الحسن البصرى)) لو ككانت لى دعوة أعلم أنها مستجابة لجعلتها للسلطان فإن الله يصلح بصلاحه خلقا كثيرا ولقد علم الناس جيمعا بما فيهم والحكام أنفسهم أننا كم وجهنا ونوجه على الدوام إليهم كلمة الحق قوية مدوية لا يثنينا عن ذلك ما قاسيناه من اضطهاد وعنت، ولا نخشى إلا الله وهو حسبنا ونعم الوكيل0

ونحن نرى كذلك أنه ليست فى كل الظروف تكون مخاصمة الحاكم وإخراجه من الإسلام، فقد يقف الحاكم أمام خصم قوى للإسلام يدفعه ويحول دون غايته فيكون من الحمق لا من الدين أن يجرح المسلمون من يحول دون وصول عدوهم إلى غايته منهم، وهذا كلام أنتم أعلم بمضمونه ولا يخفى معناه على الناس، وعلى كل حال لأن يكون الحاكمون أعوانا للإخوان المسلمين على تربية الشعب وتوجيهه إسلاميا مثمرا خير من أن يكونوا خصوما لهؤلاء الداعين يحولون بينهم وبين ما يريدون وموقفنا من الحكام جميعا ومن الأحزاب جميعا موقف الدعاة لا الأشياع ومحال أن ننضوى تحت لواء حزب كائنا من كان أو أن نمالئ حاكما كائنا من كان 0

وأغلب الظن أيها الأبناء. أنكم أنتم الذين استخدمتم مطايا للحزبية البغيضة من حيث لا تشعرون وفتشوا أنفسكم من يتصل الآن بكم ومن ينشط فى نشر دعايتكم معكم فستعلمون صدق ما أقول0

ومما يؤسف حقا أن تعجز الأحزاب عن أن تجد سبيلا إلى صفوف الإخوان إلا عن طريقكم، وإن كان كل ذلك وأكثر منه سيتحطم على صخرة الدعوة المباركة التى ستظل بعون الله وحده الجوى اللاصق بين جوانح كل ما يريد الكيد للإسلام وتسؤه الدعوة إلى الله0
5- تطهير الدعوة


من فضل الله على الإخوان المسلمين فى كل وقت أن دعوتهم تنفى خبثها كما ينفى الكير خبث الحديد، وهذه قاعدة جربناها مراراً كثيرة ونمجموعة الإخوان فى القاهرة فيما أعتقد هى أطهر مجموعة عرفتها هيئة من الهيئات ولقد تجنيتم على بعض إخوانكم بكلام لا حقيقة له، ولقد أصغيت إليكم ودرست ما قلتم وتبينت مبلغه من الصحة فإذا هو إتهام واه منهار لا أساس له ولا دليل عليه وما كنت لأدع يقينى لشككم ولقد نصحت لكم وعرفتكم حكم الإسلام فيما تقولون فأبيتم إلا أن تلجوا بالباطل ولا أقول فى هذه غفر الله لكم فليست هذه من حقى، ولكنى أنصح لكم مرة أخرى أن تسترضوا إخوانكم الذين خضتم فيهم فإن عقاب الله فى ذلك قاس شديد ولا أزال أذكركم بقوله تعالى ((والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا))()0
وأخيراً


لا أعرض هنا لما سلكتم من أساليب لا تتفق مع الحق المر فضلا عن السمو والتكرم الذين يجب أن يكون أول ما يتصف به عامل للإسلام، ولا أحاول أن أكشف عما فى بيانكم من مغالطات وأمور لا تتفق مع الواقع فإنى أكره الجدل أشد الكراهية، وحسبى أن تكلمت فى رؤوس الموضوعات الهامة، وطبعا سيكون هذا هو البيان الأول والأخير من جهتى فى هذا الموضوع0

ولى معكم بعد ذلك كلمة أخيرة فأستمعوا إليها إن شئتم والله يتولانا وإياكم بحسن الرعاية0

أولا ما دمتم قد أعددتم أنفسكم للعمل للإسلام فى ميدان أخذتموه فأوصيكم أن تكونوا بنائين لا هادمين وحينئذ عليكم أن تفكروا فى ابتكار ميادين تعملون فيها وتخذمون الإسلام بها ودعوا الخصومة جانبا فإن الإنصراف إلى البناء خير ألف مرة وأجدى من الإنصراف إلى الهدم، وعلم الله أننى لا أريد بهذا إلا أن تنصرف الجهود إلى النافع المفيد 0

ثانياً لقد كنتم قبل الآن جنودا فأصبحتم تقولون إنكم اليوم قادة، وواجبات القائد القائد أثقل بكثير وأدق من واجبات الجندى فأحرصوا دائماً على أن تظهروا أمام الناس بالمظهر اللائق بكرامة الدعوة الإسلامية فى كل ناحية من نواحى تصرفاتكم الشخصية أو الجمعية0

ثالثاً : أحب أن تحكموا خطتكم وأن تسوسوا طريقكم بالعقل والعاطفة معا فلا تتركوا للحماسة وحدها أن تقودكم فى مسالك لا يفيد فيها الدعوة ولا ينفع الداعين إلا العقل الكامل والتصرف الدقيق المحكم، فالكيس الكبس أيها الأبناء.

رابعاً : أحب أن تعتقدوا أولا وآخرا أننى لا أضمر لكم إلا الخير وقد أغضبت عن سيئاتكم لحسناتكم وعن تصرفكم لنياتكم التى أرجو أن تكون خيرة فاضلة، والله أسأل أن لا يكون ذلك لكم فتنة وهو المستعان على ما تصفون0
إلى الإخوان المسلمين خاصة


أيها الإخوان المسلمون لقد أراد إخوانكم هؤلاء أن يختطوا لأنفسكم هذا الطريق فدعوهم وما اختاروا لأنفسهم حتى يرشدهم العمل وهو خير مرشد إلى مناهج الصواب وعزيمة عليكم مشددة مؤكدة أن لا تخوضوا فيهم وأن لا تنالوا منهم وأن لا تحملوا لهم فى نفوسكم إلا المحبة والإخاء واذكروا قول الله تبارك وتعالى (ولا تنسوا الفضل بينكم)() وقوله تعالى (فامساك بمعروف أو تسريح بإحسان) ولقد تماسكنا يوم عملنا معا بالمعروف فنحب أن نفترق بالإحسان وهو من جانبنا أن نسكت فلا نجرح وأن نتفضل فنعفوا ونصفح ولا تنسوا أن مثل دعوتكم المباركة المباركة القوية لابد وأن تلقى صعابا وأشواكا سواء من الذين بعدوا عنها فلم يستجيبوا لها أو من الذين خالطوها فلم تفقهها قلوبهم، ولقد علمتم أن مثل هذا قد سبق أن وقع لكم ولغيركم وهى سنة الدعوات قديما وحديثا، وقد خرج عليكم بعض إخوانكم وداروا دورتهم فمنهم من رجع إلى حظيرة الإخوان ثانية ولجأ إلى الصف كما كان ومنهم من قبع فى داره حتى يفصل الله فى أمره وهو أحكم الحاكمين على أننا سنعمل على الاستفادة من هذه الدروس القيمة إن شاء الله ولأن نتلقاها الآن ونحن لا نزال فى بدء الطريق خير من أن نتلقاها فى وقت يعظم فيه أثر الخطأ وتتضخم فيه نتائج الأغلاط 0

وفق الله الجميع لخير العمل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 0

القاهرة فى : المحرم سنة 1359هـ

فبرايـر سنة1940م

حسن البنا

المرشد العام للإخوان المسلمين

رب ضارة نافعة


كان مساء الخميس من كل أسبوع فى المركز العام القديم من عام 1940 موعدا للقاء دائم لفضيلة المرشد العام مع الطلاب 00 وكانت محاضرة ذلك اليوم (نظرة الإسلام للمرأة)، وبينما فضيلته يتحدث إلينا إذا بجلبة تحدث خارج الصالة، ويتقدم أحد الأخوة بورقة مكتوبة، فيقرأها الأستاذ المرشد ثم يستأذن معتذرا عن المحاضرة ويخرج.. وبعد فترة من الوقت يعتلى الشيخ عبد المعز عبد الستار المنصة ويتحدث إلينا حديثا حماسيا ينبئ أن فى الأمر شيئا. نتبين بعده أنه قد صدر أمر عسكرى بنقل الأستاذ إلى قنا 0

وإجتمع مكتب الإرشاد فى الحال وتناول الأمر بالبحث والمناقشة، وتحمس أكثر الأعضاء لعدم تنفيذ الأمر على أن يقدم الأستاذ المرشد إستقالته من وزارة المعارف، وبذلك لا يكون لأحد سلطان عليه. وبعد أن استفاضت المناقشات.. أخذ فضيلته الكلمة فقال: إن أمر الاستقالة سهل لا يتطلب سوى ورقة وقلم، ولكن هل سيقف الأمر عند الاستقالة؟ إن أمرا عسكريا آخر سيصدر بإعتقالى فى الحال وخاصة أن الأحكام العسكرية مفروضة على البلاد والعباد، لذلك أرى أن النقل أيسر الأضرار وأنفع للدعوة من الاعتقال، وهى فرصة أتاحها الله تعالى لنعطى للصعيد حقه فى نشر الدعوة، وتربية الإخوان، ويؤجر المرء رغم أنفه .. ثم إننا لم نقدم للاستقالة بما يعوضنا عنها حيث جزءاً كبيرا من المرتب يدفع لخدمة الدعوة، وبعد الاستقالة فإن الدعوة ستدفع، ولم يحن وقت ذلك بعد.. وشرح الله صدور الإخوان بهذا الرأى 0

وحزم الأستاذ المرشد أمتعته وغادر القاهرة فى أول قطار إلىقنا 00 وفوجئ الإخوان هناك بنقل فضيلته إليهم، ولم يلبث أن شاركهم فى نشاطهم بالدار كواحد منهم، واندهش الشباب كيف أنه كان يستقبل بعضهم ويسلم عليه بأسمهن دون أن يراه قبل ذلك على الاطلاق، فلما سألوه عن ذلك متعجبين: أخبرهم أنه كان حين يوقع على بطاقة الجوالة بصفته الرئيس العام للجوالة كان يحفظ الاسم والصورة معا 0

وبعد أن استقر المرشد فى قنا عدة أيام دعا الإخوان إلى مؤتمر جامع حضره المسلمون والمسيحيون على السواء يتقدمهم شيخ المعهد الدينى ومطران قنا. وتناول حسن البنا فى خطابه قضية الحكم بالشريعة الإسلامية. فقال: مما هو معلوم عن جماعة الإخوان المسلمين أنهم يدعون ويتصدرون الدعوة إلى الحكم بالقرآن الكريم، وهذه القضية ولاشك تثير بعض الخوف والشكوك عند إخواننا المسيحين. وأنا أحب أن أجلى هذه القضية بروح المودة بما قد خفى أو يخفى عن الناس من أمور لن يتبينوا فيها وجه الحق والصواب. فالناس أعداء ما جهلوا. لا شك أننا مع إخواننا الأقباط نعتبر أنفسنا عربا، حيث أننا جميعا نتكلم اللغة العربية ونتعامل بها وما دمنا عربا فمن الطبيعى أن نتحمس للتحاكم مور لن يتبينوا فيها وجه الحق والصواب. فالناس أعداء ما جهلوا. لا شك أننا مع إخواننا الأقباط نعتبر أنفسنا عربا، حيث أننا جميعا نتكلم اللغة العربية ونتعامل بها وما دمنا عربا فمن الطبيعى أن نتحمس للتحاكم إلى قانون عربى لا إلا قانون غربى متنوع المصادر فرنسى وبلجيكى وغير ذلك، والقانون العربى الوحيد الجامع الشامل الذى جربناه مسلمين ومسيحيين مئات السنين هو القرآن الكريم 000

فإذا اعترض على أن القرآن كتاب المسلمين، فنقول، فيكن ذلك اعتقادا المسلمين كدين وليكن قانونا عاديا عند الأقباط، كما نتحاكم نحن اليوم إلى قانون نابليون0

000 ثم قال : إن الشواهد التاريخية المكررة والتى لا تحتمل الإنكار بحال تشهد بأنه فى ظل حكم الشريعة الإسلامية عاش المسلمون والمسيحون فى وئام وسلام ليس له مثيل، وضرب بذلك عدة أمثلة، أهمها موقف الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه من الصلاة من كنيسة القيامة، كما ذكر بعضا من وصيته الشهيرة، واستطرد فى ضرب الأمثلة الحية من واقع تاريخ الخلفاء 0

ثم ختم حديثه فقال : إن الإسلام لا يعرف معنى الديمقراطية التى يحد مدلولها الناس حسبما تقضى مصالحهم، فالإسلام لا يعرف هذه المتغيرات بل هو شريعة العدل التى لا تتغير ولا تتبدل تبعا للمصالح والأهواء0

وقد أثار هذا الحديث مختلف الإتجاهات، فقد كان حديثا على نقله إلى قنا، بعيداً عن الاستدلال بالآيات القرآنية أو الأحكام الفقهية. ولم تمض أسابيع وهو فى حركة دائبة ورحلات وزيارات وخطب ومحاضرات، إلا وقد صدر قرار من وزير المعارف بنقله فوراً من قنا إلى القاهرة 0

ولم تمض أيام حتى صدر قرار باعتقاله فى معتقل الزيتون بالقاهرة، فاعتصم الطلاب فى مسجد السلطان الحسن بعد صلاة يوم من أيام الجمعة، فأفرج عن فضيلته بعد أيام. وبعد أن تم الإفراج عن فضيلة المرشد استقبلناه فى مصلى (بدروم) المركز العام القديم بكل أشواقنا وعواطفنا الحارة. وبدأ حديثه معنا فقال : لقد كانت فترة الاعتقال بمثابة إعتكاف إجبارى أو محطة فى طريق السفر الطويل راجعت فيها كتاب الله تعالى حفظا ودراسة وتدبرا، وعرفت واختلطت بأناس آخرين. ووجدت فرصة أخلو فيها إلى نفسى أستعرض أحداث الماضى وأفكر فى الحاضر بهدوء وروية، وأعتقد أننا لن نخسر شيئا فى أمر قد قدره الله لنا.. فإن ما يحدث لنا من عذاب أو اضطهاد، أمر قد تعاهدنا عليه، فلا غرابة فيه ولن يؤثر فيما عقدنا العزم عليه، ولكنه فقط يعطينا المؤشرات ويحذرنا من المطبات ويفتح أعيننا على ما هو آت 00 فإن ما يحدث لنا لن يوقف حركة الدعوة، ولن يرهب أبناءها الذين اعتقدوا أن أقل ما يطلب فى سبيلها هو الدم والمال 000 (والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)0

000 ثم استطرد الأستاذ البنا فقال : حين جاء أمر الإفراج عنى سألت عن شمول هذا الأمر بالإفراج عن الأساتذة أحمد السكرى وعبد الحكيم عابدين، فقيل الأفراج عنك وحدك. فرضت الخروج واستمسكت بذلك متذكرا قصة الحمام والصياد التى حفظناها من أيام الدراسة، التى تحكى أن مجموعة من الحمام قد وضعت فى شبكة صياد، وتصادف وجود فأر صديق لقائد سرب الحمام، فأراد أن يقوم بقرض الشبكة لتخليص قائد الحمام وحده فرفض أن ينجو بنفسه دون زملائه. فقام الفأر بتخليص الجميع 000 وهكذا خجلت من نفسى، كيف أخرج وأترك إخوانى؟ ولكن محاولات واتصالات كثيرة بذلت حتى أعطونى وعدا بإستصدار قرار الإفراج عنهم 000 وخرجت آسفا لذلك، ولكنى كما قلت لكم من قبل: هذا هو الطريق، وبقى علينا أن نواصل العمل مسترشدين بهذه الأحداث فى سبيل الوصول إلى الغاية المنشودة0
حسن البنا 000 وبعد النظر


فى إجتماع بالمكتب الادارى للإخوان بالاسكندرية فى عهد وزارة إسماعيل باشا صدقى، ألقت الشرطة القبض على حوالى 50خمسين من الإخوان، وأودعتهم سجن الأجانب. وفى نفس الأسبوع نظم الإخوان مظاهرة من فرقة الجوالة خرجت فجأة من ميدان محطة السكة الحديد قبيل المغرب تحمل المشاعل متجهة إلى ميدان قصر رأس التين، خطب فيها الأستاذ أحمد السكرى من شرفة مكتب الأستاذ أمين مرعى المحامى بشارع الغرفة التجارية ((سعيد))، ثم مضت هذه المظاهرة فى سيرها حتى بلغت القصر وقدمت مذكرة بشأن معاهدة صدقى بيفن ثم انصرفت0

وبعد فترة حققت النيابة مع الإخوة المحتجزين فى سجن الأجانب ثم أمرت بالإفراج عنهم. وبصفتى والأخ عادل بهجت من العسكريين فقد حولنا إلى السلطة العسكرية، حيث وضعت فى معتقل معسكر كوم الشقافة والأخ عادل فى معسكر اللوائح العسكرية سلاح الصيانة، وحوكمنا أمام مجلس عسكرى مركزى بتهمة انضمامنا إلى جماعة الإخوان مخالفين بذلك اللوائح العسكرية التى تقضى بعدم تدخل رجال الجيش فى السياسة. وأرسلت إلى فضيلة المرشد عدة خطابات أبدى استعدادنا لتحمل كل ما يترتب من عقوبات مهمنا كانت شدتها وقسوتها، وأطلب منه ألا يحمل نفسه عبء السعى لمساعدتنا وانشغاله بقضيتنا فالأمور تجرى بالمقادير 00

وفى سراى سيدى بشر انعقد المجلس العسكرى، وحضرنا بالحراسة المشددة فوجدنا فى استقبالنا مجموعة من المحامين الذين أوفدهم فضيلة المرشد العام 0

وبعد أن أقسم أعضاء المجلس العسكرى اليمين على المصحف الشريف سألنا رئيس المجلس، هل هناك أى اعتراض على المجلس؟ فقلت له: لا، ولكن لنا طلب. فقال : ما هو؟ فقلت نحن لا نريد محاكمة على أساس قانون الاجراءات العسكرية، ولكن نريد المحاكمة على أساس المصحف الشريف الذى أقسمت عليه0

وهنا أحس رئيس المجلس أن القضية سوف تتحول إلى قضية إسلامية سياسية، ثم اتجه إلى السادة المحامين فطلبوا من المحكمة تأجيل الجلسة أسبوعا للاطلاع على تقارير القسم المخصوص (المباحث) العامة الآن، فوافق ورفعت الجلسة0

وعدنا إلى معسكر سلاح الصيانة معا، وفى المساء من نفس اليوم صدر قرار بالإفراج عنا، وتوجهنا من المعسكر إلى شعبة الإخوان برأس التين حيث استقبلنا الإخوان أحسن استقبال0

ثم سافرت والأخ عادل لمقابلة فضيلة المرشد بالقاهرة، وبعد أن شكرناه على جهده الكريم معنا، قلت : يا فضيلة المرشد، لماذا أجهدت نفسك كل هذا الاجهاد فى سبيل الإفراج عنا؟ فقال : أنتم تنظرون إلى تبعات هذه القضية نظرة فردية وأنا أنظر إليها نظرة أبعد وأشمل، ذلك أن صدور أى حكم عليكما بتهمة الانتماء إلى الإخوان00 هذا الحكم مهما كانت شدته سوف يعوق حركتنا الوليدة فى صفوف الجيش، كما أن طبيعة العمل بالجيش تختلف عن طبيعته فى القطاعات الأخرى فلابد منتقدير تبعات كل عمل بالنسبة لمستقبل الدعوة أولاً0

وهنا حضر الأخ الكبير الصاغ محمود لبيب الذى رحب بنا ودعانا لتناول طعام الغذاء معه فلبينا الدعوة شاكرين 0

وكان الإخوان بالاسكندرية بصدرون نشرة شهرية عن نشاطهم يوزعونها على جميع المناطق، وبينما كنت بمطبعة رمسيس أراجع المسودة فيها خبر فى صدر الصفحة الأولى بعنوان (لقاء رجلين 00 التقى اليوم الأستاذ حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين بسماحة الشيخ أمين الحسينى مفتى فلسطين الأكبر بعد غياب طويل، وكان لقاء وكانت ذكريات)0

فكرت أن أعود إلى المرشد كى أطلعه على مسودة النشرة وأستاذنه فى نشر هذا الجزء من الخبر، ولما قرأ الخبر، توقف قليلا ثم قال : وما هو الغرض من نشر هذا النبأ، وما هى الفائدة التى ستعود علينا من نشرة؟ قلت: لقد قرأت فى جميع الصحف نبأ زيارة كل الزعماء السياسين لسماحة المفتى، ولسنا أقل من هؤلاء فى أداء الواجب. فتبسم الأستاذ المرشد وقال : يا أخى هذه إعلانات وزيارات مجاملة، أما زيارتى فهى زيارة ترى بمنظار آخر ويفهمها أعداء الإسلام بفهم آخر.. إن زيارات الإخوان ينبنى عليها عمل0

ومن قبل حين بدأ حسن البنا دعوته فى الاسماعيلية عام 1928. كانت الدعوة قد اكتمل تصورها فى ضميره، ولكنه كان يؤمن بأن الزمن جزء من العلاج، وأن لكل مقام مقالا.. لهذا فهو حين كون ما يسمى (فرق العمل) ليتم بها الصور أو صورة الدعوة، كانت هذه الفرق على هيئة الفرق العسكرية من حيث النظام والتدريب وأيضا الملابس التى كانت على شكل بنطلون طويل يشبه بنطلون عسكرى السوارى وله (قايش) من الجلد.. لهذا تنبه حسن البنا إلى هذه الصورة وأدرك أنها سوف تترك فى نفوس الناس فضلا عن السلطة والإنجليز شعورا بالحذر والخوف مما قد يتضح من أمرها، ولاسيما أن تسميتها (فرق العمل) يوحى بمثل هذا الشك00

لهذا أسرع حسن البنا بإلغاء هذه الفرق وتحويلها إلى فرق الكشافة وانضمت إلى جمعية الكشافة الأهلية وأصبحت تابعة لنظامها الأساسى0

وبعد توقيع معاهدة 1936 اتخذ حزب الوفد فرقا شبه عسكرية لونها أزرق، وكان مسموحا لكل إنسان أن ينضم إليها. وكذلك اتخذ حزب مصر الفتاة بينهما، فانتهز الملك فاروق الفرصة واصدر أمرا ملكيا بحل جميع التشكيلات شبه العسكرية، ولما كانت فرق الإخوان قد تحولت لجمعية الكشافة العامة، فلم يشملهم هذا الأمر .. وهكذا كان حسن البنا بعيد النظر يرى بنور الله.

خطب حسن البنا الجمعة فى مسجد الشيخ بالميدان بالاسكندرية وامتلأت الشوارع، وبعد الصلاة خرجنا من المسجد ونحن فى طريقنا إلى شارع (فرنسا) مررنا بحارة يسكن بها بعض اليهود وفجأة سقط من المنازل لوح من زجاج بجوار حسن البنا ولكن الله سلم فلم يصب أحد بسوء، غير أن الإخوة أخذوا يتشككون فى الأمر ولكن الأستاذ هونه عليهم ولم يتخذ منه فرصة للإثارة وقال : إنه حادث عابر غير مقصود 0

وتوجهنا إلى المكتب الإدارى بشارع كنيسة دبانة، فأستراح فضيلته بعض الوقت، ثم استأنفنا السفر إلى الجزيرة الخضراء وهى بلدة الأستاذ أمين مرعى المحامى رئيس الإخوان بالاسكندرية آنذاك، وتقع هذه البلدة فى مواجهة مدينة رشيد من الشرق، وفى الطريق وقفت أمام كشك مرور كوبرى الجدية ولاحظ فضيلة المرشد وجود (قلة ماء) أمام شرطى المرور فاستأذنه للشرب فأسرع الشرطى مسرورا مرحبا به وتحدث معه كلمات، فلما بدأت السيارة تتحرك قلت له: ربما تكون القلة غير صحية، فنظر إلى وقال : لقد وقفنا لحظة ويجب الاستفادة بها فى نشر الدعوة 0

ووصلنا إلى رشيد وركبنا فى طريقنا إلى الجزيرة الخضراء حيث استقبلنا استقبالا طيبا، ثم تناولنا الغداء على مائدة الأستاذ أمين مرعى شقيق الأستاذ مصطفى مرعى النائب العام السابق، وبعده توجهنا إلى مسجد البلدة. وبدأ فضيلة المرشد حديثه الذى يؤلف القلوب ويرطب المشاعر، ثم عرج على قصة فقال : كان هناك ملك.. وقام أحد الوزراء فى المملكة بعمل فتنة دفعت الملك إلى الإستغناء عن وزرائه واحدا تلو الآخر. وذات يوم جاء لزيارة الملك رجل صالح، وجنس بين الملك وبين الوزير ومعه صورة لها وجهان إحداهما قبيح والآخر جميل، وسأل الملك عن رأيه فى هذه الصورة فقال الملك: إنها صورة قبيحة جدا .. ثم سأل الوزير عن الصورة التى يراها فقال : صورة جميلة، وهنا حدثت مشادة كبيرة بين الملك والوزير. ولكن الرجل الصالح أسرع وقلب الصورة، فتبين كل منهما حقيقة الصورة بوجهيها، وهنا قال الشيخ للملك: يجب على كل إنسان أن لا يصدق حكما على شىء قبل أن يتبينه (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)([2])0

وبعد أن أنهى فضيلته حديثه العميق، فهمنا بعد ذلك أنه توجد فى هذه البلدة بعض الخلافات، كما عرفنا أن حسن البنا قبل أن يدخل أى بلدة يلم بكل ما يتعلق بها من أحوال حتى لا يصطدم بأمور تعوق أداء رسالته0

وعدنا إلى مدينة رشيد فى مركب آلية وكان عددنا كبيرا، وجلس الأستاذ مع مجموعة من الإخوان فى مقدمة المركب وجلس باقى الإخوة على السطح الذى توجد تحته الماكينة التى تحرك المركب، ولما اقتربت المركب من الشاطىء اصطدمت بقاع النيل فسقط بعض الإخوة داخل المركب ففزع الإخوان وبقى حسن البنا ثابتا لم يتحرك، حتى إذا هدأت الثائرة قال للإخوان الثبات عند الشدة أنجا وأكرم0

وتوجهنا إلى شعبة رشيد، وهناك تحدث فضيلته إلى الإخوان حديثا مختصرا، وبعد فترة من الراحة استأنفنا سفرنا إلى شعبة سيدى بشر بالاسكندرية حيث أقام الإخوان حفلا ليخطب فيه الأستاذ بعد صلاة العشاء. ولفت نظرى أن الأستاذ المرشد حين بدأ حديثه قال: أيها الإخوة فى العام الماضى تحدثت فى موضوع مراحل الدعوة، ولم نستكمل هذا الحديث لضيق الوقت، وفى هذا العام أستأنف معكم باقى هذا الحديث 00 ثم استطرد فى الحديث حتى آخره، وبعد الحفل توجهنا إلىداخل المكتب الإدارى حيث جلس فضيلته مع أعضاء المكتب الإدارى لتصريف شئون الدعوة وتوجيه الإخوان، وبات ليلته فى الدار وفى الصباح الباكر غادرنا إلى القاهرة مصحوبا بعناية الله تعالى0

وفى كفر المصيلحة بلدة عبد العزيز باشا فهمى حدثت مشادة بين الإخوان وبين أفراد عائلة الباشا، وكان من عادة الأستاذ البنا ومن أخلاقه الإسلامية إنه إذا نزل بلدا فإنه يبدأ بزيارة عمدتها أو كبيرها. ومن وراء هذا المعنى مدلولات لا حصر لها0

وعلى أثر هذه المشادة توجه بعض الإخوان من كفر المصيلحة إلى القاهرة وقدموا شكواهم إلى فضيلة المرشد وقالوا فيما قالوا إنه بعد ذلك لا يستحب لفضيلتكم أن تقوم بزيارة عبد العزيز باشا فهمى عند حضورك للبلدة. وصرفهم الأستاذ المرشد ونصحهم أن يلتزموا الحكمة والصبر0

ومضت الأيام واعتزم الأستاذ زيارة كفر المصيلحة واستقبل الإخوان مرشدهم هذه المرة بصورة شعبية حماسية. وسار الموكب متجهاً ناحية شعبة الإخوان المسلمين غير أن الأستاذ البنا طلب من السائق التوجه إلى دار عبد العزيز باشا فهمى كالعادة ولم يستطع السائق إلا تنفيذ طلب الأستاذ أمام تعجب الإخوان ودهشتهم وسار الموكب حتى وصل إلى منزل الباشا الذى كان هو وعائلته يتشككون فى هذه الزيارة بعد الذى حدث واستقبله الباشا وعائلته استق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://anas-omar.ahlamontada.com
أسد الغفران
المدير العام
المدير العام
أسد الغفران


الجنس : ذكر
الأبراج : العذراء
عدد المشاركات : 903
التقيم : 211104
الشكر : 59701
تاريخ الميلاد : 01/09/1994
العمـــر : 29

مواقف في الدعوة والتربية Empty
مُساهمةموضوع: رد: مواقف في الدعوة والتربية   مواقف في الدعوة والتربية Emptyالأربعاء مارس 03, 2010 9:52 pm

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://anas-omar.ahlamontada.com
 
مواقف في الدعوة والتربية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» <<مهم جدا>> ((إن الدعوة الى الله جزء من حياة المسلم اليومية في بيته ومع أسرته وفي عمله ))

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
إليك حبيبة قلبي ♥ أنس ♥ عمر ♥ :: قسم الكتب الدينية والإسلامية :: كتب دعوية جميلة جدا تستحق القراءة-
انتقل الى: